يطرح توماس لويتون في مقاله بمجلة NewScientist أدلة تجريبية جديدة تدعم نظرية مثيرة للجدل حول دور التأثيرات الكمية في الوعي، والمعروفة باسم نظرية الاختزال الموضوعي المنظم (Orch OR) التي اقترحها روجر بنروز وستيوارت هامروف. التجارب أظهرت أن أدوية التخدير تقلل من مدة بقاء الإثارات الكمية داخل الأنابيب الدقيقة في الخلايا العصبية، وهو ما قد يفسر قدرتها على إيقاف الوعي. كما كشفت تجارب أخرى في جامعة برينستون أن سلوك التوبولين داخل الأنابيب الدقيقة يتغير بفعل التخدير، مما يعزز فكرة ارتباطها بالوعي، رغم أن بعض العلماء يرون أن هذه الظواهر قد تفسر أيضًا بالفيزياء الكلاسيكية. وبينما لا تزال النتائج بعيدة عن الحسم النهائي، فإنها تشير إلى أن الأنابيب الدقيقة قد تكون أكثر من مجرد هياكل خلوية، وربما تمثل إطارًا أساسيًا لفهم العلاقة بين ميكانيكا الكم وعمل الدماغ.
Quantum experiments add weight to a fringe theory of consciousness
الفكرة المثيرة للجدل التي تقول إنّ التأثيرات الكمية في الدماغ يمكن أن تفسر الوعي قد اجتازت اختبارًا أساسيًا. فقد أظهرت التجارب أنّ أدوية التخدير تقلل من المدة التي تستطيع فيها بُنى دقيقة موجودة في الخلايا الدماغية أن تحافظ على إثارات كمية يُشتبه بها. وبما أنّ التخدير يقوم بتشغيل الوعي وإيقافه، فقد تشير النتائج إلى أنّ هذه البُنى، المعروفة باسم الأنابيب الدقيقة (Microtubules)، قد تكون هي المحور الأساسي لتجربتنا الواعية.
وفقًا لبعض تفسيرات ميكانيكا الكم، يمكن للنظام أن يوجد في حالات متعددة في الوقت نفسه إلى أن يقوم فعل الملاحظة بتكثيف سحابة الاحتمالات إلى واقع محدد. وتنصّ نظرية “الاختزال الموضوعي المنظَّم” (Orch OR) على أنّ الأنابيب الدقيقة في الدماغ هي المكان الذي تحدث فيه حالات عدم الاستقرار الجاذبية في بنية الزمكان، فتُحطّم التراكب الكمي الدقيق بين الجسيمات، ومن ثمّ يُولَد الوعي.
اقترح الفيزيائي روجر بنروز وطبيب التخدير ستيوارت هامروف هذه النظرية في تسعينيات القرن الماضي، لكن غياب الأدلة التجريبية جعلها على هامش علم الوعي. بعض العلماء اعتبروا النظرية غير قابلة للاختبار، فيما أشار آخرون إلى أنّ الدماغ “رطب ودافئ جدًا” بحيث لا يمكنه احتضان هذه الحالات الكمية الهشّة.
لكن جاك توشينسكي من جامعة ألبرتا في كندا وزملاؤه عرضوا في مؤتمر “علم الوعي” بمدينة توكسون بولاية أريزونا في 18 أبريل عملًا يتحدى هذه القناعات، إذ أظهروا أنّ أدوية التخدير تُقصر الزمن الذي تستغرقه الأنابيب الدقيقة لإعادة إصدار الضوء المحتجز. يقول توشينسكي: “إنها خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح”.
ويعلّق فلادكو فيدرال، فيزيائي الكم بجامعة أوكسفورد: “الأمر مثير للاهتمام، لكن ربطه بالوعي يظل احتمالية بعيدة جدًا”. بينما يقول ستيفن لوريس، عالم الأعصاب في جامعة لييج ببلجيكا: “إنه أمر آسر، ولا أعتقد أنّه يمكننا الادعاء مسبقًا بعدم وجود أي دور على الإطلاق للمبادئ الكمية في عمل العقل والدماغ”.
الأنابيب الدقيقة هي أنابيب مجوّفة مكوّنة من بروتين التوبولين، وتشكل جزءًا من “هياكل” خلايا النباتات والحيوانات. قام توشينسكي وزملاؤه بتسليط ضوء أزرق على الأنابيب الدقيقة وبروتينات التوبولين، وخلال عدة دقائق راقبوا كيف تم احتجاز الضوء في فخ طاقي داخل الجزيئات قبل أن يُعاد إطلاقه في عملية تُعرف باسم “الوميض المؤخر” (Delayed Luminescence) – والتي يشتبه توشينسكي أن لها أصلًا كميًا.
استغرق الأمر مئات الملّي ثوانٍ لكي تطلق وحدات التوبولين نصف كمية الضوء، وأكثر من ثانية كاملة لإطلاق الضوء من الأنابيب الدقيقة الكاملة. هذا الزمن قابل للمقارنة مع الفترات الزمنية التي يحتاجها الدماغ البشري لمعالجة المعلومات، ما يوحي بأنّ ما يسبّب هذا الوميض المؤخر يمكن أن يُستدعى أيضًا لتفسير الآليات الأساسية لعمل الدماغ. يقول توشينسكي: “الأمر مذهل للغاية”.
بعد ذلك، أعاد الفريق التجربة في وجود أدوية التخدير وأيضًا دواء مضاد للتشنجات للمقارنة. وحدها أدوية التخدير خفّضت الوميض المؤخر، حيث قلّصت الوقت بنحو الخُمس. يشتبه توشينسكي في أنّ هذا قد يكون كل ما هو مطلوب لإيقاف الوعي في الدماغ. فإذا كان الدماغ يوجد على العتبة بين العوالم الكمية والكلاسيكية، فإن حتى تثبيطًا بسيطًا يمكن أن يمنع الدماغ من معالجة المعلومات.
في تجربة ثانية قادها غريغوري سكولز وآرات كالرا في جامعة برينستون، تمكّنت أشعة الليزر من إثارة وحدات بنائية أصغر داخل بروتين التوبولين في الأنابيب الدقيقة. وقد انتشرت هذه الإثارة عبر الأنابيب الدقيقة لمسافة أبعد بكثير مما كان متوقعًا.
وعندما أضاف سكولز وكالرا مادة التخدير إلى التجربة، وجدا أيضًا أن هذا السلوك غير المعتاد للأنابيب الدقيقة قد تم تثبيطه. يقول سكولز: "التخدير يتفاعل بالفعل مع الأنابيب الدقيقة ويغيّر ما يحدث. وهذا أمر مفاجئ". ورغم أن ذلك يدعم فكرة أن الأنابيب الدقيقة قد تتحكم بالوعي على مستوى الخلايا الدماغية الفردية، إلا أن سكولز يؤكد أن هناك حاجة لمزيد من البحث قبل التوصل إلى أي استنتاجات تتعلق بالتأثيرات الكمية.
ويشير فيدرال إلى أن الظواهر المرصودة في التجارب يمكن أيضًا تفسيرها بالفيزياء الكلاسيكية بدلًا من ميكانيكا الكم. يقول: "في مثل هذه الأنظمة المعقدة، من الصعب جدًا تحديد التأثيرات الكمية بشكل دقيق والحصول على دليل قاطع". أما لوريس فيضيف أن النجاحات التي حققها المنظور الكلاسيكي في علم الأعصاب لا تستبعد احتمال أن تلعب ميكانيكا الكم دورًا مهمًا. يقول: "سيكون من الدوغمائية أن نقول إن الأمر لا يستحق النظر فيه. لكن بالطبع الشيطان يكمن في التفاصيل، ويعود الأمر للمجتمع العلمي أن يتفحصه".
إحدى الاحتمالات التي يحقق فيها فريق توشينسكي لتفسير ظاهرة الوميض المؤخر هي عملية كمية تُسمى الإشعاع الفائق (Superradiance)، حيث تطلق الذرات المثارة بشكل جماعي الضوء فجأة في تفاعل متسلسل شبيه بانفجار نووي. يقول توشينسكي: "نحن في حيرة ونحاول وضع نموذج يفسّر ذلك".
ويقول هامروف، من جامعة أريزونا وأحد المشاركين في دراسة توشينسكي: "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه". ويخطط الفريق حاليًا لإعادة التجارب باستخدام مجموعة متنوعة من أدوية التخدير ذات الفعالية المختلفة على البشر لمعرفة ما إذا كان رد فعل الأنابيب الدقيقة سيتوافق مع ذلك.
ولكي تبقى النظرية قائمة، يجب إثبات وجود تأثيرات مماثلة أيضًا في الخلايا العصبية الحية وفي درجات الحرارة الموجودة في جسم الإنسان. يقول توشينسكي: "لسنا بعد في مستوى التفسير الفسيولوجي، لنقول: نعم، هنا يبدأ الوعي، لكن ربما يكون الأمر كذلك".
ويؤكد فيدرال أن إثبات النقل الكمي في الخلايا سيكون "أمرًا ضخمًا"، سواء كان له علاقة بالوعي أم لا. يقول: "إنه بالتأكيد يستحق التحقيق. حتى لو تمكنت من الادعاء بأن انقسام الخلايا مدعوم بطريقة ما بتأثيرات كمية، فسيكون ذلك حدثًا ضخمًا في علم الأحياء".
أما سكولز فيقول إن الخصائص المدهشة للأنابيب الدقيقة التي كشفت عنها هذه التجارب الأخيرة تُظهر أنها أكثر بكثير من مجرد هيكل داعم للخلايا. ويضيف: "الطبيعة مليئة بالمفاجآت. وإذا كانت الطبيعة تملك نوعًا من الهياكل الأساسية، فلماذا لا تُستغل بطرق أكثر تعقيدًا مما نتخيل؟".
وفقًا لبعض تفسيرات ميكانيكا الكم، يمكن للنظام أن يوجد في حالات متعددة في الوقت نفسه إلى أن يقوم فعل الملاحظة بتكثيف سحابة الاحتمالات إلى واقع محدد. وتنصّ نظرية “الاختزال الموضوعي المنظَّم” (Orch OR) على أنّ الأنابيب الدقيقة في الدماغ هي المكان الذي تحدث فيه حالات عدم الاستقرار الجاذبية في بنية الزمكان، فتُحطّم التراكب الكمي الدقيق بين الجسيمات، ومن ثمّ يُولَد الوعي.
اقترح الفيزيائي روجر بنروز وطبيب التخدير ستيوارت هامروف هذه النظرية في تسعينيات القرن الماضي، لكن غياب الأدلة التجريبية جعلها على هامش علم الوعي. بعض العلماء اعتبروا النظرية غير قابلة للاختبار، فيما أشار آخرون إلى أنّ الدماغ “رطب ودافئ جدًا” بحيث لا يمكنه احتضان هذه الحالات الكمية الهشّة.
لكن جاك توشينسكي من جامعة ألبرتا في كندا وزملاؤه عرضوا في مؤتمر “علم الوعي” بمدينة توكسون بولاية أريزونا في 18 أبريل عملًا يتحدى هذه القناعات، إذ أظهروا أنّ أدوية التخدير تُقصر الزمن الذي تستغرقه الأنابيب الدقيقة لإعادة إصدار الضوء المحتجز. يقول توشينسكي: “إنها خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح”.
ويعلّق فلادكو فيدرال، فيزيائي الكم بجامعة أوكسفورد: “الأمر مثير للاهتمام، لكن ربطه بالوعي يظل احتمالية بعيدة جدًا”. بينما يقول ستيفن لوريس، عالم الأعصاب في جامعة لييج ببلجيكا: “إنه أمر آسر، ولا أعتقد أنّه يمكننا الادعاء مسبقًا بعدم وجود أي دور على الإطلاق للمبادئ الكمية في عمل العقل والدماغ”.
الأنابيب الدقيقة هي أنابيب مجوّفة مكوّنة من بروتين التوبولين، وتشكل جزءًا من “هياكل” خلايا النباتات والحيوانات. قام توشينسكي وزملاؤه بتسليط ضوء أزرق على الأنابيب الدقيقة وبروتينات التوبولين، وخلال عدة دقائق راقبوا كيف تم احتجاز الضوء في فخ طاقي داخل الجزيئات قبل أن يُعاد إطلاقه في عملية تُعرف باسم “الوميض المؤخر” (Delayed Luminescence) – والتي يشتبه توشينسكي أن لها أصلًا كميًا.
استغرق الأمر مئات الملّي ثوانٍ لكي تطلق وحدات التوبولين نصف كمية الضوء، وأكثر من ثانية كاملة لإطلاق الضوء من الأنابيب الدقيقة الكاملة. هذا الزمن قابل للمقارنة مع الفترات الزمنية التي يحتاجها الدماغ البشري لمعالجة المعلومات، ما يوحي بأنّ ما يسبّب هذا الوميض المؤخر يمكن أن يُستدعى أيضًا لتفسير الآليات الأساسية لعمل الدماغ. يقول توشينسكي: “الأمر مذهل للغاية”.
بعد ذلك، أعاد الفريق التجربة في وجود أدوية التخدير وأيضًا دواء مضاد للتشنجات للمقارنة. وحدها أدوية التخدير خفّضت الوميض المؤخر، حيث قلّصت الوقت بنحو الخُمس. يشتبه توشينسكي في أنّ هذا قد يكون كل ما هو مطلوب لإيقاف الوعي في الدماغ. فإذا كان الدماغ يوجد على العتبة بين العوالم الكمية والكلاسيكية، فإن حتى تثبيطًا بسيطًا يمكن أن يمنع الدماغ من معالجة المعلومات.
في تجربة ثانية قادها غريغوري سكولز وآرات كالرا في جامعة برينستون، تمكّنت أشعة الليزر من إثارة وحدات بنائية أصغر داخل بروتين التوبولين في الأنابيب الدقيقة. وقد انتشرت هذه الإثارة عبر الأنابيب الدقيقة لمسافة أبعد بكثير مما كان متوقعًا.
وعندما أضاف سكولز وكالرا مادة التخدير إلى التجربة، وجدا أيضًا أن هذا السلوك غير المعتاد للأنابيب الدقيقة قد تم تثبيطه. يقول سكولز: "التخدير يتفاعل بالفعل مع الأنابيب الدقيقة ويغيّر ما يحدث. وهذا أمر مفاجئ". ورغم أن ذلك يدعم فكرة أن الأنابيب الدقيقة قد تتحكم بالوعي على مستوى الخلايا الدماغية الفردية، إلا أن سكولز يؤكد أن هناك حاجة لمزيد من البحث قبل التوصل إلى أي استنتاجات تتعلق بالتأثيرات الكمية.
ويشير فيدرال إلى أن الظواهر المرصودة في التجارب يمكن أيضًا تفسيرها بالفيزياء الكلاسيكية بدلًا من ميكانيكا الكم. يقول: "في مثل هذه الأنظمة المعقدة، من الصعب جدًا تحديد التأثيرات الكمية بشكل دقيق والحصول على دليل قاطع". أما لوريس فيضيف أن النجاحات التي حققها المنظور الكلاسيكي في علم الأعصاب لا تستبعد احتمال أن تلعب ميكانيكا الكم دورًا مهمًا. يقول: "سيكون من الدوغمائية أن نقول إن الأمر لا يستحق النظر فيه. لكن بالطبع الشيطان يكمن في التفاصيل، ويعود الأمر للمجتمع العلمي أن يتفحصه".
إحدى الاحتمالات التي يحقق فيها فريق توشينسكي لتفسير ظاهرة الوميض المؤخر هي عملية كمية تُسمى الإشعاع الفائق (Superradiance)، حيث تطلق الذرات المثارة بشكل جماعي الضوء فجأة في تفاعل متسلسل شبيه بانفجار نووي. يقول توشينسكي: "نحن في حيرة ونحاول وضع نموذج يفسّر ذلك".
ويقول هامروف، من جامعة أريزونا وأحد المشاركين في دراسة توشينسكي: "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه". ويخطط الفريق حاليًا لإعادة التجارب باستخدام مجموعة متنوعة من أدوية التخدير ذات الفعالية المختلفة على البشر لمعرفة ما إذا كان رد فعل الأنابيب الدقيقة سيتوافق مع ذلك.
ولكي تبقى النظرية قائمة، يجب إثبات وجود تأثيرات مماثلة أيضًا في الخلايا العصبية الحية وفي درجات الحرارة الموجودة في جسم الإنسان. يقول توشينسكي: "لسنا بعد في مستوى التفسير الفسيولوجي، لنقول: نعم، هنا يبدأ الوعي، لكن ربما يكون الأمر كذلك".
ويؤكد فيدرال أن إثبات النقل الكمي في الخلايا سيكون "أمرًا ضخمًا"، سواء كان له علاقة بالوعي أم لا. يقول: "إنه بالتأكيد يستحق التحقيق. حتى لو تمكنت من الادعاء بأن انقسام الخلايا مدعوم بطريقة ما بتأثيرات كمية، فسيكون ذلك حدثًا ضخمًا في علم الأحياء".
أما سكولز فيقول إن الخصائص المدهشة للأنابيب الدقيقة التي كشفت عنها هذه التجارب الأخيرة تُظهر أنها أكثر بكثير من مجرد هيكل داعم للخلايا. ويضيف: "الطبيعة مليئة بالمفاجآت. وإذا كانت الطبيعة تملك نوعًا من الهياكل الأساسية، فلماذا لا تُستغل بطرق أكثر تعقيدًا مما نتخيل؟".