MotasemH

Administrator
طاقم الإدارة
يستعرض المقال المنشور في مجلس العلاقات الخارجية بقلم مارييل فيراغامو وديانا روي مسار الدولة الفلسطينية بين تطلعات الفلسطينيين نحو الاستقلال وتعقيدات الواقع السياسي والدبلوماسي. فمنذ 1948 بقيت غزة والضفة في قلب النزاع مع إسرائيل، بينما دفع تدهور الوضع الإنساني في غزة دولًا مثل فرنسا وأستراليا والمملكة المتحدة إلى إعلان نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وإن كان ذلك مرتبطًا غالبًا بضغوط داخلية وسياسات انتخابية أكثر من كونه تحولًا استراتيجيًا. تاريخيًا، حظيت فلسطين بوضع مراقب منذ 1974، وتقدمت عام 2012 إلى صفة "دولة مراقب غير عضو"، لكن العضوية الكاملة ما زالت متعثرة بفعل الفيتو الأميركي في مجلس الأمن. وعلى الرغم من أن غالبية أعضاء الأمم المتحدة باتوا يعترفون بفلسطين، فإن الانقسام الداخلي الفلسطيني، ورفض إسرائيل، والدعم الأميركي لها، تجعل إمكانية قيام الدولة المستقلة مرتبطة بعوامل تتجاوز الاعترافات الرمزية، إذ تبقى السيادة الفعلية رهينة التحول داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
السعي نحو إقامة الدولة الفلسطينية: ما الذي يجب معرفته

The Quest for Palestinian Statehood: What to Know​

تعيش الأراضي الفلسطينية منذ عقود في حالة من الارتباك السياسي، فيما يبقى طموح الفلسطينيين نحو الاستقلال والاعتراف الدولي موضع خلاف شديد. فمنذ أن أعلنت إسرائيل استقلالها عام 1948، ظلّت كل من قطاع غزة والضفة الغربية في قلب صراع متكرر مع إسرائيل، بسبب النزاعات حول الحدود والسيادة الفلسطينية.

ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، أعلنت عدة دول—منها أستراليا، وبلجيكا، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة—عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة لاحقًا هذا الشهر. وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول ما يمكن أن تعنيه للمنطقة، وكيف قد تؤثر على النظام الدولي والدبلوماسية في ظل استمرار الحرب.​

لماذا عاد الدفع باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟​

تأتي الدعوات المتزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية عشية انعقاد الجمعية العامة في سبتمبر، وتعكس قلقًا متصاعدًا لدى الدول بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين العالقين في أتون الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.

وقد اندلعت هذه الحرب عقب هجوم مفاجئ شنّته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل، ما دفع إسرائيل إلى إطلاق حملة عسكرية للقضاء على الحركة. وعلى مدار ما يقرب من عامين، دمّرت الحملة الإسرائيلية مساحات واسعة من غزة وقيّدت بشدّة دخول المساعدات إلى القطاع، الأمر الذي حذّرت منظمّات الإغاثة أنه يدفع بالسكان نحو المجاعة. ففي أغسطس/آب، أعلن "مرصد الجوع العالمي" المدعوم من الأمم المتحدة أن مجاعة «من صنع الإنسان بالكامل» تحدث في مدينة غزة وضواحيها، وهي أكبر مراكز التجمع السكاني في القطاع.

وقد اتّهم أكثر من مئة منظمة إسرائيل باستخدام المساعدات كسلاح، مشيرين إلى مئات الضحايا الذين قضوا جوعًا أو قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء. وأفادت وزارة الصحة في غزة، التي تديرها حماس، بأن عدد القتلى تجاوز ستين ألفًا من أصل نحو مليوني نسمة، وهو رقم تطعن إسرائيل في صحته.

أما الدول التي أعلنت عن تغيير موقفها إزاء الاعتراف—ومن أبرزها حلفاء مقرّبون من الولايات المتحدة مثل أستراليا وبلجيكا وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة—فقد برّرت هذا التحول بتردّي الأوضاع في غزة. فقد صرّحت وزيرة الخارجية الفرنسية بأنّه «بعد اثنين وعشرين شهرًا من المحاولات العقيمة، لا يمكننا أن نأمل في وقف إطلاق نار دائم من دون وضع رؤية مشتركة لِما بعد الحرب في غزة». وبالمثل، اعتبر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي أن سعي بلاده للاعتراف باستقلال فلسطين يمثل «أفضل أمل للإنسانية لكسر دوامة العنف في الشرق الأوسط، ووضع حد للصراع والمعاناة والمجاعة في غزة».

وجاءت هذه المواقف استجابة لضغوط داخلية قوية في تلك الدول. فلكل منها فئات اجتماعية واسعة تنتقد إسرائيل بشدة، كما أشار خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك. وأضاف: «الوضع في غزة سيّئ للغاية. أعتقد أن القادة يشعرون بضرورة التحرك، فقرروا الاعتراف بالدولة الفلسطينية».

ورغم أن الاعتبارات الإنسانية تهيمن على الخطاب العلني، يرى بعض الخبراء أن الدوافع الحقيقية تكمن في السياسة الداخلية. إذ يقول إليوت أبرامز، خبير الشرق الأوسط في المجلس ذاته: «الاعتراف بفلسطين ليس مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية فقط، أو حتى في المقام الأول، بالنسبة لدول مثل أستراليا أو المملكة المتحدة أو فرنسا، حيث يتجاوز عدد المسلمين أعداد اليهود بعشرة أضعاف أو أكثر. بل هو تحرك سياسي داخلي يهدف إلى استمالة الكتلة الانتخابية المسلمة».​

الموقف الأميركي​

انتقدت إدارة الرئيس دونالد ترامب الجهود الأخيرة لتحقيق حل الدولتين، ووصفتها بأنها «صفعة في وجه ضحايا السابع من أكتوبر ومكافأة للإرهاب»، مؤكدة أنها «لن تشارك في هذه الإهانة، بل ستواصل قيادة الجهود الواقعية لإنهاء القتال». وضمن هذا التوجّه، توقفت الإدارة منذ أغسطس عن إصدار معظم أنواع تأشيرات الزائر لحاملي جوازات السفر الفلسطينية، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. وقد أدى القرار إلى منع الفلسطينيين، بمن فيهم مسؤولون رفيعو المستوى، من حضور اجتماعات الجمعية العامة أو السفر إلى الولايات المتحدة لأغراض العمل أو الدراسة أو العلاج. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن هذا الإجراء ينسجم مع المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة، من دون تقديم تفاصيل إضافية.​

كم عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية؟​

حتى مارس/آذار الماضي، كانت 147 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة قد اعترفت دبلوماسيًا بالدولة الفلسطينية. ومن أبرز الدول الممتنعة عن ذلك الولايات المتحدة—أكبر حليف لإسرائيل—إلى جانب قوى أخرى في مجموعة السبع مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان.

وكانت فرنسا أول دولة تعلن، في أواخر يوليو/تموز، عن اعترافها غير المشروط بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات سبتمبر. وسرعان ما تبعتها المملكة المتحدة ثم كندا وأستراليا وبلجيكا، لكن مع ربط اعترافها بشروط مثل نزع سلاح الأراضي الفلسطينية، وإجراء انتخابات، وإطلاق سراح الأسرى لدى حماس، واستبعاد الحركة من أي هياكل حكم مستقبلية. وفي الأثناء، أبدى خمسة عشر وزير خارجية آخرين—من بينهم وزراء أيرلندا والنرويج وإسبانيا—اهتمامًا بإحياء حل الدولتين.

ومنذ عام 1993، عبّر كل رئيس أميركي—باستثناء ترامب—عن تأييده لحل الدولتين، لكن هذا الموقف لم يُعتمد كسياسة رسمية أميركية إلا في عهد جورج دبليو بوش عام 2002. ومع ذلك، لم يلتزم أي رئيس بالاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية مستقلة قبل التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل. ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، لم يتخذ الرئيسان جو بايدن وترامب موقفًا واضحًا من دعم قيام الدولة. في المقابل، أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز/إيبسوس في أغسطس أن ما يقرب من 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

أما الحكومة الإسرائيلية فترفض الفكرة رفضًا قاطعًا، وتكشف استطلاعات الرأي عن ضعف التأييد لها بين الإسرائيليين. فقد أظهرت بيانات يوليو/تموز 2025 أن 23 في المئة فقط من اليهود الإسرائيليين يدعمون حل الدولتين، مقابل 82 في المئة من العرب الإسرائيليين. وبالمثل، أظهر استطلاع أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" في مايو/أيار 2025 أن أكثر من نصف الفلسطينيين أيضًا يعارضون هذا الإطار.​

ما هو تاريخ مسألة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة؟​

في أكتوبر/تشرين الأول 1974، اعتمدت الأمم المتحدة القرار رقم 3210 (XXIX) الذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وبعد أيام قليلة، منحت الجمعية العامة للمنظمة صفة المراقب، بما أتاح لها المشاركة في أعمال الجمعية وهيئات أممية أخرى. (ورغم أنّ هذا الإجراء غير منصوص عليه رسميًا في ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنّ منح صفة المراقب يُمارس منذ عام 1946).

وفي عام 1975، أنشأت الجمعية العامة "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف"، التي تتألف من خمسةٍ وعشرين عضوًا وأربعةٍ وعشرين مراقبًا، بهدف تعزيز حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة والاستقلال الوطني. وبحلول عام 1988، وبعد إعلان الاستقلال الفلسطيني، أصبح مصطلح "فلسطين" هو التسمية الرسمية المستخدمة في منظومة الأمم المتحدة بدلًا من "منظمة التحرير الفلسطينية".

وفي عام 2012، أحرزت الأراضي الفلسطينية تقدمًا في مسعاها نحو العضوية عبر الحصول على صفة "دولة مراقب غير عضو"—وهي الصفة ذاتها التي يتمتع بها الكرسي الرسولي. وقد منحت الجمعية العامة هذا الوضع عبر تصويت الأغلبية، وهو ما يتيح للبعثة الفلسطينية المشاركة في جميع الإجراءات الأممية والحفاظ على بعثة دبلوماسية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. غير أنّ هذا الوضع لا يمنح الفلسطينيين حق التصويت على قرارات مجلس الأمن.

ومنذ ذلك الحين، واصلت الأمم المتحدة اعتماد قرارات متعلقة بالأراضي الفلسطينية، سواء فيما يخص تعزيز الحقوق الفلسطينية أو النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني أو مكانة فلسطين الأوسع ضمن المنظومة الأممية. وحتى الآن، انضمت البعثة الفلسطينية إلى عدة معاهدات دولية رئيسية لحقوق الإنسان، بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وأصبحت طرفًا في مؤسسات كبرى مثل "المحكمة الجنائية الدولية". إلا أنّ العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تبقى بعيدة المنال، بسبب المعارضة في مجلس الأمن—وخاصة من الولايات المتحدة.​

ما هي آلية الأمم المتحدة لمنح العضوية الكاملة؟​

على أي دولة تسعى للحصول على عضوية الأمم المتحدة أن تتقدم أولًا بطلب إلى الأمين العام، الذي يحيل الطلب إلى مجلس الأمن. ويستلزم الأمر موافقة تسعة أعضاء على الأقل من أصل خمسة عشر، مع تجنّب أي نقض (فيتو) من قبل الأعضاء الدائمين الخمسة. وإذا نجح الطلب، يُرفع إلى الجمعية العامة حيث يلزم الحصول على أغلبية ثلثي الأصوات لاعتماده نهائيًا.

وفي عام 2011، تقدّم محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية—وهي مؤسسة قانونية منفصلة تدير أجزاء من الضفة الغربية—بطلب لنيل العضوية الكاملة للأراضي الفلسطينية، غير أنّ هذا المسعى تعثّر في مجلس الأمن. وجددت السلطة الفلسطينية طلبها عام 2024، لكنه فشل أيضًا بسبب استخدام الولايات المتحدة لحق النقض. وقد برّرت واشنطن موقفها بأن العضوية يجب أن تأتي فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لا عبر خطوات أحادية الجانب في الأمم المتحدة. وحتى في حال حصول الفلسطينيين على استقلال فعلي، فإن ذلك لا يمنحهم تلقائيًا العضوية الكاملة في المنظمة الأممية، والعكس صحيح.​

هل يمكن تحقيق الدولة الفلسطينية؟​

لقد شكّل حل الدولتين منذ زمن طويل أحد الركائز الأساسية لمساعي السلام، لا سيما من خلال اتفاقيات أوسلو لعام 1993—وهي سلسلة من الاتفاقات هدفت إلى تحقيق اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وإرساء حكم ذاتي للفلسطينيين (من دون الإشارة صراحةً إلى الدولة)، والوصول إلى تسوية سلمية للنزاع. غير أنّ الخبراء يرون أن الأمر يتطلب أكثر بكثير من مجرد إعلانات تأييد من بعض الدول لتحقيق استقلال فعلي في غزة. ومن العوامل المعقدة أيضًا الانقسام في القيادة الفلسطينية بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، في ظل غياب مؤشرات على رؤية سياسية موحدة. ورغم أنّ هذا الانقسام يثير شكوكًا حول إمكانية تطبيق حل الدولتين، يجادل بعض المحللين بأنّه قد يخدم مصالح استراتيجية أوسع، منها تشجيع بروز قيادات فلسطينية أكثر اعتدالًا وتحسين أمن إسرائيل على المدى الطويل.

ويرى الخبير ستيفن كوك أن الإعلانات الجديدة حول دعم الدولة الفلسطينية تمثّل إلى حد كبير "إشارات رمزية"، إذ تواجه هذه الدول ضغوطًا داخلية من فئات معارضة للحرب الإسرائيلية، غير أن تغيّر سياستها لن يحقق أثرًا ملموسًا للفلسطينيين على الأرض. وأضاف: «في الوقت الراهن، لا توجد شهية تذكر في إسرائيل لفتح نقاش حول حل الدولتين».

حتى وإن صوّتت غالبية أعضاء الأمم المتحدة لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن الاعتراف الرسمي ما زال يتطلب موافقة مجلس الأمن، وهو أمر يتفق كثير من الخبراء على أنه غير مرجح بسبب المعارضة الأميركية الراهنة. وإذا ما غيّرت الولايات المتحدة موقفها وصوّتت بالإيجاب—وهو احتمال ممكن في ظل قيادة أميركية أخرى—فلا ينبغي المبالغة في تقدير تأثير ذلك على إسرائيل.

يقول كوك: «أعتقد أنه إذا قامت دولة فلسطينية، سيكون هناك جهد دولي واسع لمساعدتها على النجاح». لكنه يستدرك: «في نهاية المطاف، وبغض النظر عما يفعله الآخرون، تبقى القوة الحاسمة في يد الإسرائيليين». فمهما بلغ مستوى الاعتراف الخارجي، لن يتغير الواقع السيادي ما لم يأتِ التحول من داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه—غير أنه، بحلول ذلك الوقت، قد يكون الأوان قد فات.​
 
عودة
أعلى