Haaretz المنحدر الزلق: كيف يمكن أن تحل ميليشيات غزة التي تديرها إسرائيل محل حماس كعدو لها يومًا ما

MotasemH

Administrator
طاقم الإدارة
في مقاله في جريدة هآرتس، يحذر زفي بارئيل من المخاطر الجسيمة لاعتماد الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك على ميليشيات محلية في غزة، تُسلَّح وتُمنح صلاحيات مقابل المال والسيطرة، مشيرًا إلى أن التجربة تذكّر بمحاولات سابقة في لبنان والضفة الغربية وكذلك بالنهج الأميركي في سوريا وأفغانستان الذي انتهى بفوضى وعنف وانبثاق قوى متطرفة. يوضح الكاتب أن هذه الميليشيات، الخارجة عن السيطرة الكاملة، قد تتحول إلى إدارة مدنية فعلية في غزة وتفرض واقعًا جديدًا قائمًا على الفوضى والاقتتال الداخلي، مما يهدد ليس فقط سكان غزة بل أيضًا جنود الجيش الإسرائيلي ويعرض إسرائيل لمواجهة مع المجتمع الدولي. ويخلص بارئيل إلى أن ما أثبت فشله في العراق وأفغانستان وسوريا لن ينجح في غزة، حيث قد ينقلب السحر على الساحر ويؤدي إلى انفجار أكبر.
المنحدر الزلق: كيف يمكن أن تحل ميليشيات غزة التي تديرها إسرائيل محل حماس كعدو لها يومًا ما

Slippery Slope: How Gaza Militias Operated by Israel May One Day Replace Hamas as Its Enemy​

يضع استخدام الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك لميليشيات محلية في غزة—تُدرّب كقوات مساعدة، وتُسلّح، وتُمنح صلاحيات استخدام القوة المميتة مقابل المال والسيطرة على الأراضي—جنود الجيش الإسرائيلي في خطر، ويعرّض إسرائيل لمواجهة ليس فقط مع سكان غزة، بل أيضًا مع المجتمع الدولي.

وكما أفادت صحيفة هآرتس يوم الأربعاء، فإن هذه الميليشيات تشارك ليس فقط في مسح الأنفاق وتفتيش المباني المشبوهة، بل أيضًا في عمليات عسكرية. ووفقًا لقادة في الجيش الإسرائيلي، فإن السيطرة على هذه القوات المحلية محدودة. فهي ليست خاضعة بالكامل للأوامر العسكرية، وقد ترتكب حتى مجازر بحق الغزيين، يمكن أن يتحمل الضباط الإسرائيليون مسؤوليتها.

هذا التجربة ليست جديدة، ونتائجها متوقعة إلى حد كبير. ففي لبنان، أنشأ الجيش الإسرائيلي "جيش لبنان الجنوبي" إلى جانب قوى محلية أخرى عملت خارج الأطر الرسمية. وفي الضفة الغربية أوائل الثمانينيات، جرت محاولة فاشلة لتشكيل ما عُرف بـ"روابط القرى"، وهي منظمات مدنية هدفت إلى إضعاف نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية وتطوير بديل سياسي لإدارة ذاتية. ومع ذلك، غالبًا ما استخدم أعضاء الروابط، الذين تسلحوا تحت ذريعة الدفاع عن النفس، أسلحتهم لترهيب الخصوم وإجبارهم على الانضمام إلى صفوفهم.

ولا تحتكر إسرائيل هذه التكتيكات. فأي طرف ينشئ ميليشيات ويجندها ويوظفها يفترض أنه قادر على التحكم في أفعالها، وفرض قواعد الاشتباك، ومنع النهب أو القتل، أو تحويلها إلى قوة سياسية لإدارة الأراضي المحتلة أو فرض الاحتلال. لكن في معظم الحالات، تصطدم هذه الافتراضات بالواقع الصعب الذي تفرضه الميليشيات نفسها في النهاية.​

الدروس الضائعة والمفارقة​

ربما تكون الولايات المتحدة قد اكتسبت الخبرة الأوسع والأكثر مرارة في توظيف الميليشيات. ففي يوليو 2017، غرّد الرئيس دونالد ترامب معلنًا إنهاء المدفوعات "الخطيرة والمهدرة" للمتمردين السوريين الذين يقاتلون الأسد. لكن التغريدة كانت مضللة؛ إذ لم يلغِ ترامب جميع برامج المساعدات الأميركية للمتمردين، بل فقط تلك التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). أما القوات المدعومة من البنتاغون، ومعظمها ميليشيات كردية في شمال سوريا، فواصلت تلقي التمويل.

كان القرار صعبًا لكنه عقلاني، إذ أقرت واشنطن بأن العملية لم تكلّف فقط نحو مليار دولار خلال أربع سنوات من العمليات، بل أيضًا أن النتائج على الأرض بقيت محدودة رغم التدريب المكثف وتدفق الأسلحة. والأسوأ من ذلك، أنّ هذه الميليشيات، بعضها محمي من البنتاغون وأخرى مدعومة من الـCIA، كانت تقاتل بعضها البعض.

على سبيل المثال، في فبراير 2016، قامت الميليشيات الكردية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، التي أنشأها البنتاغون، بطرد عناصر من ميليشيا الجيش السوري الحر "فرسان الحق" من مدينة معرّة، على بعد 20 كيلومترًا شمال حلب. كانت هذه الميليشيا تعمل تحت رعاية الـCIA. وما بدا كأنه اشتباك مقبول بين ميليشيات مدعومة أميركيًا تحوّل سريعًا إلى منحى أكثر قتامة؛ إذ انتهى المطاف بأسلحة— بالاضافة الى صواريخ مضادة للدبابات—منقولة من الـCIA إلى أيدي جبهة النصرة، التي كانت آنذاك لا تزال تابعة للقاعدة.

وكان يقود جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بالرئيس السوري الحالي أحمد حسين الشرع، الذي انفصل عن القاعدة عام 2016 لتأسيس هيئة تحرير الشام، الجماعة السلفية الجهادية التي أطاحت بنظام الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ومنذ ذلك الحين، حظي الشرع بدعم وحماية من ترامب وتركيا والسعودية.

وتُعد تركيا المستفيد الأكبر من نجاح الشرع، إذ قدمت له على مدى سنوات دعمًا ماليًا واستخباراتيًا وعسكريًا، ما خلق ديونًا وطنية وزاد من اعتماده على أنقرة. ومع ذلك، لم تتحرر سوريا بالكامل بعد من حكم الميليشيات. ولا يزال التحدي الأكبر أمام الشرع هو دمج كل هذه الميليشيات في جيش وطني موحد، وهو هدف يبدو بعيد المنال، فيما تعمل الميليشيات الدرزية والكردية على تقويض طموحه، وتواصل عشرات الميليشيات المستقلة والعصابات السيطرة على مناطق مختلفة من البلاد.

والمفارقة أنّ البنتاغون والـCIA وإدارة ترامب كان ينبغي لهم أن يستوعبوا بالفعل دروس التعامل مع الميليشيات المحلية. ففي الحرب السوفيتية-الأفغانية بين 1979 و1989، نشرت الـCIA قوات المجاهدين المحليين، الذين أثبتوا فعاليتهم في طرد القوات السوفيتية. لكن، كما في سوريا، عانى المشغلون الأميركيون من صعوبة السيطرة على هذه القوات، أو فرض قواعد الاشتباك، أو منع فقدان الأسلحة والمعدات.

وبعد انسحاب السوفييت، اندلعت حرب أهلية دموية بين القبائل والميليشيات، أجبرت ملايين على الفرار إلى باكستان وإيران ودول أخرى. ومن رحم ذلك الفوضى خرجت حركة طالبان، التي صُنّفت لاحقًا جماعة إرهابية وأصبحت ملاذًا لأسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة.

إن استخدام الميليشيات المحلية من قِبل قوة احتلال يحمل إغراءً قويًا، لأنه قد يجنب المحتل خسائر بشرية بين جنوده. لكن كما تعلمت القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، يمكن أن تنقلب هذه الميليشيات ضد من موّلها ودربها، أو أن تؤسس لنفسها مراكز قوة بديلة.​

غزة: أكثر خطورة بكثير​

في غزة، الوضع معقد بالقدر نفسه. فقد أدركت حماس سريعًا الخطر الذي تشكله الميليشيات. وبعد وقت قصير من سيطرتها على القطاع عام 2007، أطلقت حملة لتفكيك الميليشيات العشائرية والعائلية. كانت هذه العائلات، المسلحة بترسانات كبيرة، قد أنشأت نقاط تفتيش، ورسمت ما يُسمى بمناطق أمنية عائلية، وتحدّت احتكار حماس للسلطة تقريبًا بقدر ما فعلت قوات فتح التي جرى القضاء عليها سريعًا وبقسوة.

لقد بُني نفوذ هذه الميليشيات العائلية في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي، بعد عودته إلى غزة والضفة الغربية عقب اتفاقيات أوسلو، أدرك الحاجة إلى ضمان دعم رؤوس العائلات الكبيرة مثل آل خالِس، وآل الأَسطَل، وآل المصري، وآل درموش، إضافة إلى زعماء القبائل البدوية، لمواجهة مقاومة الجيل الشاب.

ضمن عرفات ولاءهم عبر منحهم مناصب رفيعة في منظمة التحرير الفلسطينية، والمكاتب الحكومية، والسلطات المحلية، إضافة إلى أموال سخية وفرص لاستغلال ثرواتهم ونفوذهم الاقتصادي القائم. لكن هذه الترتيبات بدأت تتفكك خلال الانتفاضة الثانية، مع صعوبة سيطرة قادة العائلات على المقاومة المسلحة للشباب، وفرض الولاء لفتح، ومنع تجنيدهم من قبل حماس أو منظمات أخرى، ما أدى إلى سحب المزيد من المؤيدين الشباب بعيدًا عن الولاءات التقليدية للعائلات. واليوم، يبقى من الصعب تقييم حجم القوة والنفوذ الذي تحتفظ به هذه العائلات الكبرى والقبائل البدوية.

في بيانات رسمية نُشرت على صفحاتهم في فيسبوك، تعلن هذه الميليشيات العائلية رفضها التعاون مع الجيش الإسرائيلي وإسرائيل. ويعترف معظمها بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية كممثلين وحيدين لهم، بينما رفض بعضهم علنًا الميليشيات التي أنشأها الجيش الإسرائيلي مع زعماء عصابات مثل ياسر أبو شباب ومرتزقة مثل رامي خالِس.

أما الجهود التي بذلها الجيش الإسرائيلي والشاباك، وكذلك رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، الذي حاول عام 2024 تشكيل ميليشيات من رؤساء العائلات البارزين، فلم تحقق أي نتائج حتى الآن. ومع تفكك البنية الاجتماعية في غزة، وانهيار عائلات بأكملها، وتهجير جماعي من مساكن دائمة كانت تشكل في السابق مناطق نفوذ عائلية ومراكز قوة سياسية محلية، فقد قادة العائلات والقبائل قوتهم السياسية مع تراجع قدرتهم على دعم أقربائهم.

نتيجة لذلك، تواجه إسرائيل في غزة مأزقًا أخطر وأكثر هشاشة بكثير مما واجهته القوات الأميركية في العراق وأفغانستان. ففي تلك البلدان، أنشأت قوات الاحتلال إدارات مدنية محلية، ورغم افتقارها للشرعية المحلية واعتبارها متعاونة واحتياجها لعشرات المليارات من التمويل الأميركي، فإنها على الأقل أعفت القوات الأميركية من الحاجة إلى الحكم المباشر.

أما في غزة، فلا توجد حكومة محلية على أي مستوى، سواء في الأحياء أو المدن أو القرى. ويستعد الجيش الإسرائيلي لإدارة القطاع الساحلي مباشرة من دون خطة واقعية لإنشاء هياكل إدارية بديلة.

هذا يخلق منحدرًا زلقًا. فقد تتحول الميليشيات المحلية التي تجندها إسرائيل إلى الإدارة المدنية الفعلية لقطاع غزة، المسؤولة ليس فقط عن مرافقة وتوزيع قوافل الطعام، بل أيضًا عن فرض النظام، وإصدار أحكام سريعة، وتخصيص قطع أراضٍ للملاجئ، وتشغيل وسائل النقل، والسيطرة على الموارد الأساسية مثل الوقود والمياه.

مثل هذا النطاق من السيطرة سيتطلب حشد آلاف الأعضاء الذين سيحتاجون إلى التسليح والتمويل. ومن هناك، يقود الطريق بسرعة إلى قتال شوارع، وانتقامات دموية، ونهب، وتشكيل مجموعات متنافسة ستقاتل بعضها البعض بالإضافة إلى قوات الجيش الإسرائيلي. وما ثبت في العراق وأفغانستان وسوريا لن يكون مختلفًا على الأرجح في غزة.​
 
عودة
أعلى