MotasemH

Administrator
طاقم الإدارة
المقال المنشور في مجلة The Economist يعرض الهجوم الإسرائيلي الأخير على مدينة غزة بوصفه إعادة لعمليات سابقة لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، حيث يعيش مئات آلاف المدنيين أوضاعًا مأساوية وسط قصف وتهجير متكرر، فيما تتزايد الانتقادات الداخلية والخارجية للحرب. يشير التقرير إلى تراجع الدعم الشعبي في إسرائيل وظهور خلافات بين القيادة العسكرية، التي ترى صعوبة في توجيه ضربة حاسمة لحماس وخطورة على الرهائن، وبين القيادة السياسية بقيادة نتنياهو الذي يتمسك باستمرار الحرب لأسباب تتعلق ببقائه السياسي وتحالفاته مع اليمين المتطرف. في المقابل، يزداد الضغط الدولي مع اتهامات أممية لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، واحتمال اعتراف دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، وتهديدات بمراجعة الاتفاقات التجارية. ورغم استمرار الدعم الأميركي حاليًا، إلا أنّ صبر واشنطن قد ينفد قريبًا، ما يجعل العملية أقرب إلى تعميق عزلة إسرائيل وزيادة معاناة سكان غزة بدلًا من تحقيق نصر عسكري حاسم.
الدفعة العقيمة في غزّة ستُعمِّق عزلة إسرائيل

A futile push in Gaza will deepen Israel’s isolation​

في ليلة الخامس عشر من سبتمبر شنّت قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) هجومها المنتظر منذ وقت طويل على مدينة غزة. قال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، صباح اليوم التالي: «إسرائيل عند لحظة حاسمة». وتحت غطاء الغارات الجوية ونيران المدفعية، تحرّكت فرقتان باتجاه الأحياء المركزية للمدينة، فيما أُبقيت فرقتان أخريان في الاحتياط. وحتى الآن، تبقى معظم قوات الجيش الإسرائيلي على أطراف المدينة، وقد أحاطت بها من ثلاث جهات، تاركةً المنافذ الغربية وحدها، المؤدية إلى الطريق الساحلي على البحر المتوسط، مفتوحة أمام المدنيين الفارين جنوبًا.

ومع ذلك، لا يغادر معظم سكان المدينة، مجازفين بفتح فصل دموي آخر في حرب طالت قرابة العامين. إسرائيل أمرتهم بالانتقال إلى «مناطق إنسانية» أبعد إلى الجنوب. وبين 200 ألف و350 ألف منهم فعلوا ذلك بالفعل؛ فيما بقي نحو 600 ألف. أغلبهم شاهد منازلهم تُقصف وتعرّضوا للتهجير عدة مرات. قلّة تستطيع تحمّل تكاليف استئجار حافلة صغيرة لنقلهم وأمتعتهم إلى دير البلح، التي تبعد 15 كيلومترًا وما تزال أكثر أمنًا نسبيًا من غزة. الخيام التي تُقدَّر قيمتها بـ150 شيكلًا (45 دولارًا) تباع بعشرين ضعفًا. يقول هشام، الموظف المدني السابق، على وقع أصوات الانفجارات: «بعد كل ذلك، لا تعرف إن كان المكان سيُعلن منطقة معادية وسيتعيّن عليك الانتقال مجددًا». وهو باقٍ في مدينة غزة.

في كثير من الأوجه، يبدو هذا الهجوم إعادةً لمشهد العملية الكبرى الأولى في الحرب على غزة. حينها، كما الآن، دمّرت الأرتال المدرعة الإسرائيلية غزة، فيما وعد قادة إسرائيل بالقضاء على حماس. ومنذ ذلك الحين قُتل ما لا يقل عن 64 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين. كذلك قُضي على جميع قادة حماس تقريبًا. وتعرّضت أغلب مباني غزة للتدمير أو الضرر. وتؤكد منظمات الإغاثة الدولية أنّ الناس في مناطق عديدة من القطاع يعانون المجاعة.

تغيّر المزاج داخل إسرائيل أيضًا. عندما هاجم الجيش غزة قبل 22 شهرًا، كان الإسرائيليون شبه مجمعين على دعم ذلك. فقد خرجت حماس من القطاع، وارتكبت مجزرة قُتل فيها نحو 1,200 شخص، وأُخذ 250 رهينة. وكان هناك توافق عام على أنّ القضاء على الحركة ضرورة.

أما الآن، فالدعم الشعبي أقل بكثير. حماس باتت مُنهكة إلى حدّ بعيد. أظهرت استطلاعات الرأي مؤخرًا أنّ أكثر من 70% من الإسرائيليين يفضّلون وقف إطلاق النار على استمرار الحرب. ويشارك قادة الجيش هذا الرأي. فقد كرّر رئيس الأركان، الفريق إيال زمير، أمام مجلس الوزراء، أنّ توجيه ضربة حاسمة إلى حماس قد يستغرق سنوات، إذا كان ممكنًا أصلًا. فالحركة، التي تقاتل اليوم بأسلوب حرب العصابات، تختبئ في مئات الكيلومترات من الأنفاق، لم يدمّر الجيش سوى جزء يسير منها. وقد حذّر زمير من أنّ الهجوم على غزة سيعرّض حياة الرهائن الذين ما يزال يُعتقد أن 20 منهم أحياء للخطر. وهو يميل إلى وقف لإطلاق النار مقابل إطلاق سراحهم.

أما حماس، التي لا تُبدي كبير اعتبار لأرواح شعبها، فهي تحثّ الفلسطينيين على البقاء في غزة، بينما اختفى مقاتلوها. وتقدّر الاستخبارات الإسرائيلية أنّ نحو 3,000 عنصر من الحركة بقوا في أنفاق المدينة لتنفيذ كمائن، فيما فرّ الباقون، نحو 20,000، جنوبًا—وهو ما يقوّض أساس العملية الإسرائيلية ذاتها.

وتخشى الاستخبارات الإسرائيلية أيضًا أن يكون بعض الرهائن قد نُقلوا إلى مواقع مركزية في غزة لاستخدامهم كدروع بشرية. ومع بدء الهجوم، تجمّع أقارب الرهائن محتجين أمام منزل نتنياهو في القدس. وقالت عيناف زانغاوكر، التي يقبع ابنها ماتان في غزة منذ أكثر من 700 يوم، إنّ نتنياهو «قرر قتل أبنائنا».

الخلافات بين الجنرالات والساسة في إسرائيل ليست جديدة، لكن غالبًا ما كان الجيش يطالب بالتحرّك بينما يفضل مجلس الوزراء التريّث. هذه الحرب مختلفة. فنتنياهو، الساعي إلى الحفاظ على أغلبيته البرلمانية الهشة، رهين حلفائه من اليمين المتطرف الذين يريدون احتلال غزة بشكل دائم وإعادة توطينها لاحقًا. كما يخشى من محاسبة على تجاهله السابق لتهديد حماس. بقاءه السياسي مرهون باستمرار الحرب.

تزامن اندفاع إسرائيل نحو غزة مع نشر تقرير لهيئة خبراء كلّفها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وقد نفت إسرائيل هذه الاتهامات بشدة، لكنها قلقة من ردود فعل حلفائها الغربيين. إذ يُتوقّع أن تعترف فرنسا وبريطانيا ودول أخرى بدولة فلسطينية خلال الأسابيع المقبلة. كما حذّر قادة الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لإسرائيل، من أنهم قد يراجعون اتفاقيات التجارة مع تل أبيب إذا مضت قدمًا في عمليتها.

أما في الولايات المتحدة، فما تزال إسرائيل تحظى بالدعم—على الأقل في الوقت الراهن. نشر الرئيس دونالد ترامب تهديدات لحماس على وسائل التواصل مع بدء العملية قائلاً: «كافة الرهانات انتهت. أفرجوا عن الرهائن فورًا!». وقبلها بساعات غادر وزير خارجيته، ماركو روبيو، القدس بعدما صرّح بأن مستقبلًا أفضل لغزة لن يتحقق «إلا بعد القضاء على حماس»

لكن حتى الدعم الأميركي قد لا يدوم طويلًا. يعتقد الدبلوماسيون الإسرائيليون أنّ صبر ترامب ينفد. ويقولون إن نتنياهو أقنعه بأنّ هجوم غزة سيكون الضربة الأخيرة لحماس. وإذا تبيّن العكس، كما هو شبه مؤكد، فإنهم يتوقعون أن يُرغم الرئيسُ إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار. وبذلك، فإن الهجوم، بدلاً من أن يحقق نصراً، يبدو مقدَّرًا له أن يزيد معاناة غزة ويعمّق عزلة إسرائيل.​
 
عودة
أعلى