يجلس كثير من طلبة الدكتوراه أمام مشرفيهم، مثقلين بالهموم، محمرّي الوجوه وقلقين، وتتدفق منهم الكلمات بسرعة أكبر مما يمكنهم التحكم فيها. بعد أشهر من الكتمان، يفرغون ما بداخلهم: الضغط، الشكوك، والشعور بعدم الانتماء. في السنة الثالثة من الدكتوراه على سبيل المثال، قد يتسلل خوف عميق بأن الطالب ليس مؤهلاً حقًا للأكاديمية. في هذه اللحظات يتوقع البعض حكماً أو خيبة أمل من المشرف، لكن في كثير من الأحيان يأتي الرد مختلفًا: كلمات بسيطة على شاكلة “أنت هنا لتتعلم كيف تركب الدراجة، لا لتخترع الدراجة.” مثل هذه الجملة قد تبدو عابرة، لكنها قادرة على إحداث تحول عميق في نظرة الطالب لتجربته.
بالنسبة للطلبة الذين يُعدّون أول أفراد أسرهم ممن يصلون إلى الدراسات العليا، يزداد الشعور بالضغط من أجل أن يكونوا قدوة، وأن يلبوا توقعات لم يواجهها أحد من عائلاتهم من قبل. ولهذا يدخل كثير منهم برامج الدراسات العليا وهم حريصون على الظهور بمظهر الباحث المنجز، لا بمظهر المتدرّب الذي ما زال يتعلم. ومع الوقت، يتشربون هذا التصور عن أنفسهم.
لكن مع بداية الدكتوراه، تنهال التحديات الأكاديمية موجة بعد أخرى، إلى جانب صدمة الثقافة الجديدة أو الضغوط المالية التي يواجهها الطلاب الدوليون. بعضهم ينجح بالكاد في مساقات السنة الأولى، ثم يتلقى رفضًا متكررًا في طلبات المنح خلال السنة الثانية والثالثة. في مجموعات البحث، قد يجد الطالب نفسه محاطًا بباحثين متمرسين ومنتجين، بينما يتعثر هو في بحوثه. تتكرر محاولاته لإنتاج أفكار جديدة أو مشاريع مبتكرة لكنها تصطدم بجدار بعد آخر. في النهاية يشعر وكأنه في سباق بلا نهاية بدأه متأخرًا، والآخرون يتقدمون عليه بخطوات واسعة.
رغم ذلك، يستمر الأصدقاء والعائلة في تشجيع الطالب وتذكيره بمدى ما أنجزه والصعوبات التي تخطاها. كما يحثه المستشارون الجامعيون على التوقف عن مقارنة نفسه بالآخرين، ويشيرون إلى أن مجرد كونه مرشحًا لنيل الدكتوراه يُعتبر إنجازًا مهمًا. لكن الشكوك لا تختفي بسهولة، وتعود من جديد كلما واجه إخفاقًا أو تباطؤًا.
كثير من المشرفين يقدمون الدعم منذ البداية، لكن الطلاب يترددون في مصارحتهم بمثل هذه المشاعر خوفًا من أن يُنظر إليهم كفاشلين. غير أن مشاركة هذه الهموم بعد شهور من الصمت يمكن أن تكون نقطة تحول.
حين يعاد تعريف مرحلة الدراسات العليا على أنها فرصة للتعلّم لا لإثبات الإنجاز، يتغير المشهد. يتضح أن التركيز على إنتاجية زائدة أو على مشاريع رنانة في بيئة أكاديمية تنافسية قد صرف الطالب عن الهدف الأساسي: تعلم كيفية القيام بالبحث وكيفية التكيف.
هذا الوعي يساعد الطالب على إدراك أنه يمكنه الاستعانة بمشرفيه وزملائه الأكبر خبرة بدل محاولة تحمل العبء بمفرده. يبدأ في عرض أفكاره مبكرًا وطلب التغذية الراجعة، ما يساعده على التقدم خطوة بخطوة. ومع الوقت يقل القلق بشأن النشر أو عدد المشاريع، ويصبح كل مشروع—حتى الفاشل منه—جزءًا ذا قيمة من التجربة ومادة يتحدث عنها في العروض. وبعد سنوات قليلة، يتمكن الطالب من إنهاء الدكتوراه بخبرة كبيرة، وشبكة زملاء داعمة، وسيرة ذاتية يفتخر بها.
مرحلة ما بعد الدكتوراه بدورها تمثل استكمالًا لهذه المسيرة، إذ تُتيح للباحث صقل مهاراته تمامًا كما يتقن الدراج ركوب الدراجة، وفي الوقت نفسه يبدأ بجمع الأدوات لاختراع دراجته الخاصة. وهنا يتحول التركيز من مجرد الإنتاج إلى تطوير مهارات أساسية مثل تقنيات المختبر، كتابة المنح، والقيادة، فيما يحرز البحث تقدمًا ذا معنى. أحيانًا تأتي اكتشافات صغيرة تمثل الأساس لجيل جديد من الطلبة ليطوروا عليها ويكملوا الطريق.
وعندما يحين الوقت لتأسيس مجموعة بحثية مستقلة، يكون الباحث قد صار قادرًا على تصميم واختراع "الدراجة" الخاصة به—أو ربما أكثر من واحدة. والأهم من ذلك، يكون قد أدرك ضرورة تذكير طلابه الجدد أن مهمتهم الأساسية ليست اختراع العجلة من جديد، بل تعلم كيفية الركوب أولًا.
المصدر: مجلة Science، بتصرّف