NewScientist أجهزة الحاسوب الكمي تقترب أخيرًا من أن تصبح ذات فائدة حقيقية

MotasemH

Administrator
طاقم الإدارة
المقال الذي كتبته كارميلا بادافيك-كالاغان في مجلة New Scientist يوضح أن أجهزة الحاسوب الكمي، التي لطالما وُصفت بأنها مثيرة علميًا لكن دون تطبيقات عملية واضحة، بدأت تجد أخيرًا مجالات ذات فائدة حقيقية، خصوصًا في استكشاف أطوار جديدة من المادة. فقد نجح فريق من جامعة هارفارد باستخدام حاسوب كمي يعتمد على الذرات فائقة البرودة، وفريق آخر في ميونيخ مستخدمًا حواسيب غوغل الكمية، في محاكاة حالات مادية معقدة تنبأت بها النظريات مثل نموذج كيتاييف، والتأكد من وجود جسيمات «أنيونات» الغريبة. ورغم أن هذه التجارب لن تُترجم فورًا إلى تطبيقات عملية، إلا أنها تمثل خطوة مهمة تؤكد أن الحواسيب الكمية يمكن أن تصبح أداة رائدة في فيزياء المادة المكثفة وعلم المواد، بما يتماشى مع الرؤية المبكرة لريتشارد فاينمان حول دورها العلمي.
رسم توضيحي ثلاثي الأبعاد لجهاز كمبيوتر كمي | adventtr/Getty Images

Quantum computers are finally on the verge of being useful​

رغم كل الضجة المحيطة بأجهزة الحاسوب الكمي، تبدو هذه التقنية أحيانًا وكأنها حل يبحث عن مشكلة. فهي مبهرة علميًا، لكنها لم تُثبت بعد فائدتها الواضحة في العالم الواقعي. غير أنّ البحث عن تطبيقات بدأ يؤتي ثماره—ولا سيما في مجال السعي وراء مواد كمية غريبة يمكن أن تُسرّع تطوير إلكترونيات جديدة وأنظمة حوسبة أكثر قوة.

إن اكتشاف ودراسة أطوار جديدة—أي ما يعادل في غرابته أطوار الماء بين الجليد والسائل—هو الخبز اليومي لفيزياء المادة المكثفة. هذا المجال ساعدنا على فهم أشباه الموصلات التي تقوم عليها الحواسيب التقليدية، وقد يقودنا في نهاية المطاف إلى موصلات فائقة عملية تنقل الكهرباء بكفاءة مثالية.

لكن بات من الصعب بشكل متزايد استخدام التجارب التقليدية لدراسة بعض الأطوار المعقدة التي تتنبأ بها النظريات. فمثلًا، يتوقع إطار نظري يُعرف بـ«نموذج كيتاييف على شكل قرص العسل» وجود مواد تُظهر أنماطًا غير مألوفة من المغناطيسية، بل وتحتوي على جسيمات شبهية غريبة تُعرف باسم «الأنيونات» (Anyons). ويقول سيمون إيفرد من جامعة هارفارد: «لقد كانت هناك مساعٍ مستمرة منذ عقود لهندسة هذه المواد في العالم الواقعي».

هو وزملاؤه تمكنوا من محاكاة ذلك باستخدام حاسوب كمي يضم 104 كيوبتات مصنوعة من ذرات فائقة البرودة. ولم يكونوا الوحيدين؛ إذ استخدم فرانك بولمان من الجامعة التقنية في ميونيخ وزملاؤه حاسوبي غوغل الكميين «سايكامور» (72 كيوبتًا) و«ويلو» (105 كيوبتات فائقة التوصيل) لمحاكاة حالة جديدة تمامًا من المادة تستند أيضًا إلى نسخة من نموذج كيتاييف. وقد نشر الفريقان دراساتهما.

يقول بيتر زابلاتيل من جامعة إرلانغن-نورمبرغ بألمانيا، الذي لم يشارك في أي من التجربتين: «هاتان الورقتان البحثيتان استخدمتا الحواسيب الكمية لاستكشاف أطوار جديدة من المادة لم تُرَ من قبل إلا في النظريات، ولم تُحقَّق في التجارب». ويضيف: «المثير هو السرعة التي باتت بها محاكاة أنظمة الكم والمادة المكثفة على الحواسيب الكمية أكثر تقدمًا».

أكد الفريقان البحثيان وجود الأنيونات في محاكاتهما. وهذا في حد ذاته يُظهر تقدّم الحواسيب الكمية وفائدتها المحتملة، لأن الأنيونات جسيمات غريبة تختلف جذريًا عن الكيوبتات، ولذلك يصعب تقليدها.

فكل الجسيمات المعروفة الأخرى تنتمي إلى فئتين: الفيرميونات والبوزونات. وغالبًا ما تكون الفيرميونات الأكثر إثارة لاهتمام الكيميائيين وعلماء المواد، لكن الكيوبتات تميل إلى أن تكون بوزونات. والفروقات بينهما—مثل السبين أو كيفية تصرفها ضمن مجموعات كبيرة—تجعل من الصعب محاكاة الفيرميونات إذا انطلقنا من البوزونات. غير أن تجربة الحاسوب الكمي المعتمد على الذرات فائقة البرودة استخدمت نموذج كيتاييف لردم هذه الفجوة. ويقول مارسين كالينوفسكي من جامعة هارفارد، وهو أحد القائمين على التجربة: إنهم استخدموا نموذج كيتاييف كـ«لوحة» لفيزياء جديدة—فقد استطاع هو وزملاؤه دفع الجسيمات شبهية للظهور في المحاكاة عبر ضبط التفاعلات بين الكيوبتات. وربما يصبح من الممكن لاحقًا استخدام بعض هذه الجسيمات الجديدة لمحاكاة مواد مبتكرة أخرى.

أما التجربة التي استُخدمت فيها حواسيب غوغل فتميّزت بعنصر مهم آخر. فقد ركزت على إخراج المادة المحاكاة من حالة التوازن—ما يعادل رجّها باستمرار. والأطوار غير المتوازنة من المادة لا تزال غير مُستكشفة إلى حد كبير، رغم أن لها نظائر في المختبر مثل التجارب التي يُضرب فيها جسم مادي مرارًا بضوء الليزر، كما يقول بولمان. وبهذه الطريقة يعكس عمل فريقه ما قد يفعله عالم فيزياء المادة المكثفة في المختبر، حين يعرّض مادة ما لدرجات حرارة منخفضة أو مجالات مغناطيسية قوية ثم يحاول تشخيص كيفية تغير طورها. وهذه التشخيصات أساسية لأنها قد تكشف في نهاية المطاف الظروف التي يمكن أن يُستفاد فيها من المادة عمليًا.

وللتوضيح، لن تؤدي هذه التجارب مباشرة إلى تطبيقات عملية. فالطريق إلى التطبيقات الواقعية يتطلب من الباحثين تكرار تحليلاتهم على حواسيب كمية أكبر وأقل عرضة للأخطاء—وهي نوعية الأجهزة التي لا نمتلكها بعد. لكن هاتين التجربتين تحددان مجالًا يمكن أن تُستخدم فيه الحواسيب الكمية لاستكشاف الفيزياء وربما لإحداث اكتشافات على نحو مشابه للأدوات التجريبية التي استخدمها الباحثون لعقود.

وليس مفاجئًا أن يكون علم المواد هو أول مجال تُثبت فيه الحواسيب الكمية قيمتها. فهذا يتوافق مع ما تحدث عنه رواد الحوسبة الكمية، مثل ريتشارد فاينمان، في الثمانينيات، حين لم يكن أحد يعرف كيف يصنع كيوبتًا واحدًا، فضلًا عن عشرات. وهو يختلف جذريًا عن الطريقة التي تُعرض بها الحوسبة الكمية عادة، حيث يُسلط الضوء على تجارب تُظهر تفوق الحواسيب الكمية على الحواسيب التقليدية في مهام بعيدة عن التطبيقات العملية.

يقول كالينوفسكي: «إن القيمة المضافة لتطوير الحوسبة الكمية كمنهج علمي، وليس فقط من منظور أداء الأجهزة الفردية، لا جدال فيها في مثل هذه التجارب».​
 
عودة
أعلى