ينتقد نيتزان بيكر في مقاله بـ Orient السرد الإعلامي الغربي الذي يقدّم إسرائيل بشكل مثالي ومنقذ للحضارة في قلب الشرق الأوسط، وخصوصاً من خلال تسليط الضوء على معارضات سطحية لا تضع موضع تساؤل الأسس الاستعمارية للصهيونية. ويشدّد بيكر على أن التيار الوسطي أو اليساري الصهيوني يشترك في المبادئ الجوهرية مع اليمين، كالتمسك بالدولة اليهودية وتعزيز الهجرة اليهودية لضمان الأغلبية. ويجزم بأن ما يُقدّم كاختلاف في وجهات النظر داخل إسرائيل لا يرقى إلى حد وجود معارضة حقيقية، بينما يبقى هذا التاج الديمقراطي الوهمي ضروريًا لدعم غربي بلا شروط، رغم أن النموذج الصهيوني يستمر في إرهاق الديمقراطية من داخلها.
L’illusion d’une opposition démocratique en Israël
يشهد الخطاب في فرنسا حول الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة تغيرًا في النبرة، إذ يرافقه تركيز على مبادرات المعارضين لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. غير أن التدقيق يكشف أن هذه الخلافات لا تعدو أن تكون اختلافًا في الدرجة لا في الجوهر، في ظل غياب أي مساءلة للأسس الاستعمارية التي تقوم عليها السياسة الإسرائيلية.
إنه سيناريو معروف، يكاد يكون تلقائيًا: يكفي أن يرتفع صوت معارض لنتنياهو وحكومته، أو أن يظهر فعل من أفعال التمرد في الفضاء السياسي أو العام الإسرائيلي، حتى تعيد وسائل الإعلام الفرنسية إحياء سردية قديمة ومطمئنة: سردية وجود معارضة ديمقراطية، ليبرالية، تقدمية، في مواجهة حكومة يمينية متطرفة تُصوَّر وكأنها مجرد استثناء سلطوي في تاريخ الدولة الإسرائيلية "الديمقراطية والمثالية".
وتبرز هذه الديناميكية بوضوح خاص اليوم. فحين ينزل مئات الآلاف إلى الشوارع للاعتراض على مشروع نتنياهو للإبقاء على السيطرة العسكرية الدائمة على غزة، تقدّم وسائل الإعلام هذه التعبئة على أنها دعوات سلمية، ليبرالية أو إنسانية ضد الحرب. إلا أن هذه القراءة تغفل هدفها الحقيقي: تحرير الأسرى الإسرائيليين. فوقف الحرب لا يظهر هنا كقضية بحد ذاته، بل كوسيلة وحيدة لتحقيق هذا الهدف. أما الإبادة الجارية في غزة والكارثة الإنسانية التي تصيب الفلسطينيين، فتبقى غائبة إلى حد كبير عن هذا الخطاب.
وتؤكد الاستطلاعات ذلك: ففي يونيو 2025، أظهر استطلاع لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي أن 76,5% من الإسرائيليين يرون أنه لا ينبغي أخذ معاناة الفلسطينيين في الاعتبار عند "تخطيط استمرار العمليات العسكرية". وحدها أقلية هامشية تشير إلى هذه المعاناة في تعبئتها، المنقسمة بدورها: فمن جهة، جماعة مثل الوقوف معًا (Standing Together) التي تدين الجرائم في غزة، لكن دون وصفها بالإبادة، معتبرة أن المشكلة تكمن في حكومة اليمين المتطرف وأن المجتمع الإسرائيلي يستحق قادة أفضل؛ ومن جهة أخرى، مجموعة مناهضة للاستعمار، تشكلت بشكل غير رسمي من أعضاء في منظمات يسارية راديكالية، إضافة إلى ناشطين مستقلين، تدين الإبادة وتربطها مباشرة بالسياسة الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل منذ تأسيسها.
ويُعاد إنتاج المنطق نفسه عند نشر نداء من جنود الاحتياط في 10 نيسان/أبريل 2025 يطالب بإنهاء الحرب في غزة، إذ تقدم التغطية الإعلامية ذلك كـ "صحوة" لـ "أكثر جيوش العالم أخلاقية". أما الطابع المتأخر لهذا الموقف، الصادر عن أشخاص شاركوا فعليًا في الحرب على غزة، فيُتجاهل تمامًا. كذلك تُغفل دوافعهم الفردية وغير السياسية في معظمها. والأسوأ أن التغطية لا تذكر أن هذه الدعوات لا تشير إلى الضحايا الفلسطينيين؛ فهي تعرض وقف الحرب كـ "ثمن يجب دفعه" لتحرير الأسرى — الأسرى فقط. نصّان اثنان، في أفضل الأحوال، وقّعهما طيارون في سلاح الجو وأعضاء في أجهزة استخبارات الجيش، ذكرا بعد ذلك موت "مدنيين أبرياء"، من دون تحديد من هم هؤلاء المدنيون.
إنه سيناريو معروف، يكاد يكون تلقائيًا: يكفي أن يرتفع صوت معارض لنتنياهو وحكومته، أو أن يظهر فعل من أفعال التمرد في الفضاء السياسي أو العام الإسرائيلي، حتى تعيد وسائل الإعلام الفرنسية إحياء سردية قديمة ومطمئنة: سردية وجود معارضة ديمقراطية، ليبرالية، تقدمية، في مواجهة حكومة يمينية متطرفة تُصوَّر وكأنها مجرد استثناء سلطوي في تاريخ الدولة الإسرائيلية "الديمقراطية والمثالية".
وتبرز هذه الديناميكية بوضوح خاص اليوم. فحين ينزل مئات الآلاف إلى الشوارع للاعتراض على مشروع نتنياهو للإبقاء على السيطرة العسكرية الدائمة على غزة، تقدّم وسائل الإعلام هذه التعبئة على أنها دعوات سلمية، ليبرالية أو إنسانية ضد الحرب. إلا أن هذه القراءة تغفل هدفها الحقيقي: تحرير الأسرى الإسرائيليين. فوقف الحرب لا يظهر هنا كقضية بحد ذاته، بل كوسيلة وحيدة لتحقيق هذا الهدف. أما الإبادة الجارية في غزة والكارثة الإنسانية التي تصيب الفلسطينيين، فتبقى غائبة إلى حد كبير عن هذا الخطاب.
وتؤكد الاستطلاعات ذلك: ففي يونيو 2025، أظهر استطلاع لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي أن 76,5% من الإسرائيليين يرون أنه لا ينبغي أخذ معاناة الفلسطينيين في الاعتبار عند "تخطيط استمرار العمليات العسكرية". وحدها أقلية هامشية تشير إلى هذه المعاناة في تعبئتها، المنقسمة بدورها: فمن جهة، جماعة مثل الوقوف معًا (Standing Together) التي تدين الجرائم في غزة، لكن دون وصفها بالإبادة، معتبرة أن المشكلة تكمن في حكومة اليمين المتطرف وأن المجتمع الإسرائيلي يستحق قادة أفضل؛ ومن جهة أخرى، مجموعة مناهضة للاستعمار، تشكلت بشكل غير رسمي من أعضاء في منظمات يسارية راديكالية، إضافة إلى ناشطين مستقلين، تدين الإبادة وتربطها مباشرة بالسياسة الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل منذ تأسيسها.
ويُعاد إنتاج المنطق نفسه عند نشر نداء من جنود الاحتياط في 10 نيسان/أبريل 2025 يطالب بإنهاء الحرب في غزة، إذ تقدم التغطية الإعلامية ذلك كـ "صحوة" لـ "أكثر جيوش العالم أخلاقية". أما الطابع المتأخر لهذا الموقف، الصادر عن أشخاص شاركوا فعليًا في الحرب على غزة، فيُتجاهل تمامًا. كذلك تُغفل دوافعهم الفردية وغير السياسية في معظمها. والأسوأ أن التغطية لا تذكر أن هذه الدعوات لا تشير إلى الضحايا الفلسطينيين؛ فهي تعرض وقف الحرب كـ "ثمن يجب دفعه" لتحرير الأسرى — الأسرى فقط. نصّان اثنان، في أفضل الأحوال، وقّعهما طيارون في سلاح الجو وأعضاء في أجهزة استخبارات الجيش، ذكرا بعد ذلك موت "مدنيين أبرياء"، من دون تحديد من هم هؤلاء المدنيون.
يقظة الجيش؟
ثم هناك هذه العبارة التي صرّح بها الضابط العسكري واللواء الاحتياط يائير غولان في أيار/مايو 2025: «إسرائيل تقتل الأطفال كهواية.» جابت هذه العبارة وسائل الإعلام الفرنسية، التي نصّبته فورًا تعبيرًا عن «الضمير الأخلاقي» وتجسيدًا لـ «يسار مُستعاد». غير أن ما نُسي هو أن غولان نفسه كان قد دعا، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلى تجويع غزة، وفي أيلول/سبتمبر 2024 إلى رفض أي وقف لإطلاق النار مع لبنان. والأهم أنه بعد أيام قليلة فقط من تصريحه، تراجع الضابط عن أقواله مؤكدًا عبر القناة 12، الأكثر مشاهدة في البلاد: «إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب في غزة.»
إن هذا الهوس الإعلامي بهذه الشخصيات المعارضة يعود جزئيًا إلى جهل بالوقائع، وباللعبة السياسية، وبالصهيونية على نحو أوسع. كما أنه يستجيب إلى حاجة سياسية ورمزية، بالنسبة إلى فرنسا كما بالنسبة إلى دول غربية أخرى، للحفاظ على صورة «جزيرة ديمقراطية» في قلب شرق أوسط يُنظر إليه كفضاء قاتم وسلطوي. وهو يشارك أخيرًا في بناء «براءة» لإسرائيل، إذ نادرًا ما توصف الجرائم المُرتكبة بما هي عليه فعلًا، بل تُقدَّم كخيانة لمبادئها المفترضة، وكأن هذه الأفعال غريبة عن الحمض النووي للدولة نفسها.
إن هذا الهوس الإعلامي بهذه الشخصيات المعارضة يعود جزئيًا إلى جهل بالوقائع، وباللعبة السياسية، وبالصهيونية على نحو أوسع. كما أنه يستجيب إلى حاجة سياسية ورمزية، بالنسبة إلى فرنسا كما بالنسبة إلى دول غربية أخرى، للحفاظ على صورة «جزيرة ديمقراطية» في قلب شرق أوسط يُنظر إليه كفضاء قاتم وسلطوي. وهو يشارك أخيرًا في بناء «براءة» لإسرائيل، إذ نادرًا ما توصف الجرائم المُرتكبة بما هي عليه فعلًا، بل تُقدَّم كخيانة لمبادئها المفترضة، وكأن هذه الأفعال غريبة عن الحمض النووي للدولة نفسها.
مصفوفة أيديولوجية مشتركة
أحد أبرز الحجج التي تُطرح للدفاع عن وجود معارضة حقيقية لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يستند إلى تصور خاطئ جوهريًا لما يُسمى باليسار الصهيوني. فمنذ نحو عقدين ومع بروز تيار الوسط السياسي، جرى تقديم «الوسط اليساري» الصهيوني باعتباره البديل الموثوق. وغالبًا ما يُصوَّر هذا التيار كنقيض لليمين الإسرائيلي، خصوصًا فيما يتعلق بأجندته تجاه الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية بين البحر المتوسط ونهر الأردن. لكن كيف يمكن اعتباره نقيضًا، وهو يعرّف نفسه كـ«صهيوني»، وبالتالي يشارك في عناصر أيديولوجية أساسية مع من يُفترض أنه يعارضهم؟
جميع التيارات الصهيونية، من اليسار الأكثر انتقادًا إلى أقصى اليمين، تشترك في مجموعة من المبادئ الجوهرية التي لا يتم التشكيك فيها. في قلب هذه المبادئ أولًا الإيمان بأن الدولة يجب أن تكون «دولة يهودية»، وأن تأسيسها في فلسطين مشروع—مبرر حصريًا أو أساسًا بالنص التوراتي، باعتباره «سند ملكية». ومن ثم، فإن بعض الحقوق يجب أن تكون حكرًا على اليهود وحدهم. كما يُعتبر من المسلّمات أن غالبية مواطني الدولة يجب أن تبقى يهودية، وأن على الدولة أن تعمل بنشاط للحفاظ على هذا التوازن الديموغرافي.
يرتكز هذا الأساس الأيديولوجي على ثلاث ركائز رئيسية: البعد القومي، حيث تُصمَّم الدولة كدولة قومية للشعب اليهودي وحده، وهي الأمة الوحيدة المخولة بالتعبير عن نفسها عبر مؤسسات الدولة. هنا تجدر الإشارة إلى أن فكرة «الأمة الإسرائيلية»—كيان مدني يضم جميع المواطنين، يهودًا وغير يهود—لا وجود لها. ففي العبرية، تُفهم كلمة «أمة» بمعنى إثني حصري. ويُسجَّل كل مواطن في سجلات الدولة تحت «قومية» إثنية: يهودية، «عربية» (مع استبعاد كلمة فلسطيني)، درزية، شركسية، إلخ.
أما البعد الديني، فهو غير منفصل عن المشروع الصهيوني؛ إذ إن شرعية دولة إسرائيل تقوم على السردية التوراتية. وحتى أكثر المجموعات انتقادًا تقبل، بدرجة أو بأخرى، شكلًا من أشكال الارتباط بين الدين والدولة. وأخيرًا، البعد الاستعماري، الذي يفرض نفسه كمعطى ثابت حتى وإن لم يُسمَّ باسم صريح. فاستعمار فلسطين، الذي بدأ قبل تأسيس الدولة نفسها، يُقدَّم كعملية مشروعة أو على الأقل ضرورية. هذا التبرير يسري عبر الطيف الصهيوني بأسره، ويظهر بشكل أكثر أو أقل وضوحًا بحسب الموقع الأيديولوجي للجماعة أو الشخصية المعنية.
بناءً على ذلك، لا يمكن اعتبار «الوسط اليساري» الصهيوني معارضة حقيقية أو بديلًا لليمين الإسرائيلي، لأنه يتحرك داخل الطيف نفسه: الطيف الصهيوني. ما يميز المجموعات المختلفة ليس المبادئ الأساسية، بل درجة وضوح وحدّة قوميتها، وتدينها، وانغماسها في المنطق الاستعماري. وكلما اتجهنا نحو اليمين، أصبحت هذه العناصر أكثر صراحة وفجاجة. أما المصفوفة الأيديولوجية ذاتها، فتبقى مشتركة.
جميع التيارات الصهيونية، من اليسار الأكثر انتقادًا إلى أقصى اليمين، تشترك في مجموعة من المبادئ الجوهرية التي لا يتم التشكيك فيها. في قلب هذه المبادئ أولًا الإيمان بأن الدولة يجب أن تكون «دولة يهودية»، وأن تأسيسها في فلسطين مشروع—مبرر حصريًا أو أساسًا بالنص التوراتي، باعتباره «سند ملكية». ومن ثم، فإن بعض الحقوق يجب أن تكون حكرًا على اليهود وحدهم. كما يُعتبر من المسلّمات أن غالبية مواطني الدولة يجب أن تبقى يهودية، وأن على الدولة أن تعمل بنشاط للحفاظ على هذا التوازن الديموغرافي.
يرتكز هذا الأساس الأيديولوجي على ثلاث ركائز رئيسية: البعد القومي، حيث تُصمَّم الدولة كدولة قومية للشعب اليهودي وحده، وهي الأمة الوحيدة المخولة بالتعبير عن نفسها عبر مؤسسات الدولة. هنا تجدر الإشارة إلى أن فكرة «الأمة الإسرائيلية»—كيان مدني يضم جميع المواطنين، يهودًا وغير يهود—لا وجود لها. ففي العبرية، تُفهم كلمة «أمة» بمعنى إثني حصري. ويُسجَّل كل مواطن في سجلات الدولة تحت «قومية» إثنية: يهودية، «عربية» (مع استبعاد كلمة فلسطيني)، درزية، شركسية، إلخ.
أما البعد الديني، فهو غير منفصل عن المشروع الصهيوني؛ إذ إن شرعية دولة إسرائيل تقوم على السردية التوراتية. وحتى أكثر المجموعات انتقادًا تقبل، بدرجة أو بأخرى، شكلًا من أشكال الارتباط بين الدين والدولة. وأخيرًا، البعد الاستعماري، الذي يفرض نفسه كمعطى ثابت حتى وإن لم يُسمَّ باسم صريح. فاستعمار فلسطين، الذي بدأ قبل تأسيس الدولة نفسها، يُقدَّم كعملية مشروعة أو على الأقل ضرورية. هذا التبرير يسري عبر الطيف الصهيوني بأسره، ويظهر بشكل أكثر أو أقل وضوحًا بحسب الموقع الأيديولوجي للجماعة أو الشخصية المعنية.
بناءً على ذلك، لا يمكن اعتبار «الوسط اليساري» الصهيوني معارضة حقيقية أو بديلًا لليمين الإسرائيلي، لأنه يتحرك داخل الطيف نفسه: الطيف الصهيوني. ما يميز المجموعات المختلفة ليس المبادئ الأساسية، بل درجة وضوح وحدّة قوميتها، وتدينها، وانغماسها في المنطق الاستعماري. وكلما اتجهنا نحو اليمين، أصبحت هذه العناصر أكثر صراحة وفجاجة. أما المصفوفة الأيديولوجية ذاتها، فتبقى مشتركة.
ترسيخ التفوق اليهودي
يتيح وضع جميع التيارات الصهيونية على طيف أيديولوجي واحد فهمًا أفضل لتصورها المشترك للديمقراطية. فبغضّ النظر عن الخلافات التي تعارض «الوسط اليساري» باليمين—سواء تعلّق الأمر بدور وصلاحيات المحكمة العليا، أو بتأثير الديانة اليهودية على الحريات الفردية، أو بالاعتبارات الاجتماعية–الاقتصادية—تبرز رؤية مشتركة، تقوم بالأساس على البعدين القومي والاستعماري.
ترتكز التعريفات القومية للديمقراطية على وظيفتها بالنسبة للشعب اليهودي، المرسوم بوصفه الأغلبية داخل الدولة، وبالتالي المكلّف بضمان السيطرة «الديمقراطية». فالديمقراطية هنا لا تُفهم كغاية في ذاتها، بل كأداة في خدمة جماعة إثنية محددة، تُطابق معها الأغلبية بشكل مقصود. هذا التصور صرّح به بشكل واضح دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، وأحد أبرز رموز اليسار الصهيوني، في جلسة برلمانية عام 1950:
ترتكز التعريفات القومية للديمقراطية على وظيفتها بالنسبة للشعب اليهودي، المرسوم بوصفه الأغلبية داخل الدولة، وبالتالي المكلّف بضمان السيطرة «الديمقراطية». فالديمقراطية هنا لا تُفهم كغاية في ذاتها، بل كأداة في خدمة جماعة إثنية محددة، تُطابق معها الأغلبية بشكل مقصود. هذا التصور صرّح به بشكل واضح دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، وأحد أبرز رموز اليسار الصهيوني، في جلسة برلمانية عام 1950:
«إن أغلبية مناهضة للصهيونية غير ممكنة طالما هناك نظام ديمقراطي في هذا البلد، نظام حرية يتبع قاعدة الأغلبية. ولا يمكن أن يصبح هناك نظام مناهض للصهيونية إلا إذا استولت الأقلية المناهضة للصهيونية على السلطة بالقوة […] وأغلقت أبواب البلاد أمام الهجرة اليهودية. إن الطريقة الوحيدة لمنع إقامة نظام مناهض للصهيونية هي حماية الديمقراطية.»
وفقًا لهذا المنطق، تُعتبر كل خطوة تهدف إلى تعزيز الوجود اليهودي في الدولة ديمقراطيةً في جوهرها، لأنها تساهم في الحفاظ على الأغلبية اليهودية، التي يُنظر إليها باعتبارها الضامن للنظام.
هذا التصور يتقاطع مع قراءة ثانية للديمقراطية: القراءة الاستعمارية. فالتوطين المتزايد للشعب اليهودي في الشرق الأوسط يُعد شرطًا لا غنى عنه، ليس فقط لتحقيق تطلعاته الوطنية—التي يتيحها تكوين أغلبية ديموغرافية—بل أيضًا بوصفه حاملًا للقيم الغربية «الليبرالية». بمعنى آخر، فإن الديمقراطية في هذه المنطقة مرهونة باستمرار وجود دولة يهودية يقودها الشعب اليهودي، يُفترض أنها تجسّد وتمثل قيم الغرب.
الفيلا والأدغال
إحدى أكثر التعبيرات رمزيةً لهذه الرؤية في الوسط اليساري الصهيوني تعود إلى التسعينيات، مع رئيس الوزراء الأسبق وأحد أبرز رموزه، إيهود باراك. فقد صاغ صورة إسرائيل كحصن غربي للأخلاق في وسط بيئة تُعتبر متوحشة، استبدادية، وغير متوافقة جوهريًا مع الديمقراطية الليبرالية: «الفيلا في الأدغال» الشهيرة. صورة يكرر استخدامها حتى اليوم، كما في هذا الحوار الذي أجري معه في نيسان/أبريل 2024: «في الفيلا الخاصة بك، يمكنك أن تستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية أو إلى الأغاني الفرنسية القديمة، وأن تستمتع في الجاكوزي. لكن بمجرد خروجك، فإن أول ما عليك فعله هو أن تكون مستعدًا بسلاحك، وإلا فلن تنجو.» من هذه الزاوية، لا يمكن للديمقراطية أن توجد أو تزدهر إلا إذا حُميت—أو فُرضت—بواسطة الهيمنة الاستعمارية لإسرائيل، التي، بالطبع، لا تُوصف أبدًا بهذه الكلمات. هذا التصور يبرر ليس فقط استعمار الأراضي، بل أيضًا السيطرة الاستعمارية الدائمة على الشعب الأصلي، الفلسطينيين، التي تُرفع إلى مرتبة الشرط الضروري لبقاء النظام الديمقراطي—وبالتالي الأبارتهايد.
هذه الرؤى، التي يشترك فيها جميع التيارات الصهيونية—بما فيها تلك التي تنتقد حكومة نتنياهو بوصفها «خطرًا على الديمقراطية»—تُساعد على فهم سلوك المعارضة المدنية والسياسية في زمن الإبادة الجماعية. فعلى سبيل المثال، في 20 أيار/مايو 2024، وقّع أكثر من أربعين عضوًا من المعارضة على عريضة تدين كـ«معاداة للسامية» طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدين أن «الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم» وأن «جنودنا الأبطال يقاتلون بشجاعة وبأخلاق لا نظير لها، وفقًا للقانون الدولي». ونرى أيضًا العديد من الإسرائيليين المحسوبين على المعارضة يتظاهرون ضد إعفاء الحريديم من التجنيد العسكري باسم المساواة؛ لكنهم لا يبدون أي رد فعل على القيود المفروضة على الفلسطينيين المواطنين في الدولة لمنعهم من التعبير عن تضامنهم مع غزة. مثال آخر، في نهاية حزيران/يونيو 2025: صوّت أعضاء من حزب الوسط «يوجد مستقبل» بزعامة يائير لابيد، وهم أيضًا في المعارضة، لصالح تعليق عضوية النائب الفلسطيني في الكنيست أيمن عودة، فقط لأنه تجرأ على الترحيب بالإفراج عن أسرى فلسطينيين. وقائمة هذه «التناقضات» الظاهرية طويلة.
هذه الرؤى، التي يشترك فيها جميع التيارات الصهيونية—بما فيها تلك التي تنتقد حكومة نتنياهو بوصفها «خطرًا على الديمقراطية»—تُساعد على فهم سلوك المعارضة المدنية والسياسية في زمن الإبادة الجماعية. فعلى سبيل المثال، في 20 أيار/مايو 2024، وقّع أكثر من أربعين عضوًا من المعارضة على عريضة تدين كـ«معاداة للسامية» طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدين أن «الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم» وأن «جنودنا الأبطال يقاتلون بشجاعة وبأخلاق لا نظير لها، وفقًا للقانون الدولي». ونرى أيضًا العديد من الإسرائيليين المحسوبين على المعارضة يتظاهرون ضد إعفاء الحريديم من التجنيد العسكري باسم المساواة؛ لكنهم لا يبدون أي رد فعل على القيود المفروضة على الفلسطينيين المواطنين في الدولة لمنعهم من التعبير عن تضامنهم مع غزة. مثال آخر، في نهاية حزيران/يونيو 2025: صوّت أعضاء من حزب الوسط «يوجد مستقبل» بزعامة يائير لابيد، وهم أيضًا في المعارضة، لصالح تعليق عضوية النائب الفلسطيني في الكنيست أيمن عودة، فقط لأنه تجرأ على الترحيب بالإفراج عن أسرى فلسطينيين. وقائمة هذه «التناقضات» الظاهرية طويلة.
«المستوطنة المتقدمة للحضارة»
إن اعتبار جميع المجموعات الصهيونية كجزء من طيف أيديولوجي واحد—تتشارك أسسًا مشتركة وفهمًا متقاربًا للديمقراطية—يقود إلى نتيجة حتمية: لا يمكن لأي بديل حقيقي لنتنياهو وحكومته أن ينشأ من هذا الحقل السياسي. بل وأكثر من ذلك، لا وجود لمعارضة «ديمقراطية» أو «ليبرالية» حقيقية طالما أنها تستند إلى الصهيونية. ففي هذا الإطار، تظل الديمقراطية خاضعة للمشروع القومي والاستعماري، ولا يمكنها أن تجسد الديمقراطية كما تُفهم مثاليًا في المصطلحات الغربية.
إلى جانب الجهل—سواء أكان مقصودًا أم لا—يجب التأكيد على حاجة الدول الغربية إلى هذه الصورة الديمقراطية لإسرائيل لتبرير دعمها غير المشروط لهذا الكيان. فهذه الدول ترى في الصهيونية، وفي الدولة اليهودية خصوصًا، «المستوطنة المتقدمة» للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، كما وصفها تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، منذ عام 1896، عندما بلور مشروع دولة يهودية في فلسطين: «سنشكّل هناك، من أجل أوروبا، جزءًا من السور ضد آسيا، وكذلك المستوطنة المتقدمة للحضارة في مواجهة البربرية. نحن ذاهبون إلى أرض إسرائيل لندفع بالحدود الأخلاقية لأوروبا حتى الفرات.» بعبارة أخرى، تُكلَّف إسرائيل بمهمة حفظ النظام واحتواء ما تعتبره هذه القوى «قوى بربرية» في الشرق الأوسط. وهي رؤية تنسجم مع منطق استعماري مألوف في أوروبا، حيث تُستخدم «الرسالة الحضارية» المزعومة لتبرير أو للتغاضي عن سلسلة من الجرائم الجماعية.
وإلا، فكيف يمكن تفسير إرسال فرنسا لمعدات رشاشات إلى بلد متهم بارتكاب إبادة جماعية من طرف عدد متزايد من الجهات؟ وكيف يُبرر مرور بنيامين نتنياهو فوق الأراضي الأوروبية، رغم أنه ملاحق بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية؟ وكيف يُفَسَّر غياب عقوبات فعلية حيال الجرائم المرتكبة؟
لو اعترفت فرنسا ودول غربية أخرى بأنه لا يمكن أن توجد معارضة ديمقراطية حقيقية ما دامت راسخة في الصهيونية، لاضطرت ليس فقط إلى مراجعة عقود من الدعم الأعمى لإسرائيل، بل، وقبل ذلك، إلى فتح نقاش حول الصهيونية باعتبارها مشروعًا استعماريًا. غير أن هذا مسار جعلته هذه الدول نفسها من المحرّمات، بل وحتى، في بعض الحالات، أمرًا غير قانوني، عبر مساواته عمدًا باللاسامية.
إلى جانب الجهل—سواء أكان مقصودًا أم لا—يجب التأكيد على حاجة الدول الغربية إلى هذه الصورة الديمقراطية لإسرائيل لتبرير دعمها غير المشروط لهذا الكيان. فهذه الدول ترى في الصهيونية، وفي الدولة اليهودية خصوصًا، «المستوطنة المتقدمة» للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، كما وصفها تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، منذ عام 1896، عندما بلور مشروع دولة يهودية في فلسطين: «سنشكّل هناك، من أجل أوروبا، جزءًا من السور ضد آسيا، وكذلك المستوطنة المتقدمة للحضارة في مواجهة البربرية. نحن ذاهبون إلى أرض إسرائيل لندفع بالحدود الأخلاقية لأوروبا حتى الفرات.» بعبارة أخرى، تُكلَّف إسرائيل بمهمة حفظ النظام واحتواء ما تعتبره هذه القوى «قوى بربرية» في الشرق الأوسط. وهي رؤية تنسجم مع منطق استعماري مألوف في أوروبا، حيث تُستخدم «الرسالة الحضارية» المزعومة لتبرير أو للتغاضي عن سلسلة من الجرائم الجماعية.
وإلا، فكيف يمكن تفسير إرسال فرنسا لمعدات رشاشات إلى بلد متهم بارتكاب إبادة جماعية من طرف عدد متزايد من الجهات؟ وكيف يُبرر مرور بنيامين نتنياهو فوق الأراضي الأوروبية، رغم أنه ملاحق بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية؟ وكيف يُفَسَّر غياب عقوبات فعلية حيال الجرائم المرتكبة؟
لو اعترفت فرنسا ودول غربية أخرى بأنه لا يمكن أن توجد معارضة ديمقراطية حقيقية ما دامت راسخة في الصهيونية، لاضطرت ليس فقط إلى مراجعة عقود من الدعم الأعمى لإسرائيل، بل، وقبل ذلك، إلى فتح نقاش حول الصهيونية باعتبارها مشروعًا استعماريًا. غير أن هذا مسار جعلته هذه الدول نفسها من المحرّمات، بل وحتى، في بعض الحالات، أمرًا غير قانوني، عبر مساواته عمدًا باللاسامية.