MotasemH

Administrator
طاقم الإدارة
يُبرز مقال تسفي بارئيل في هآرتس مفارقة السياسة السعودية بقيادة محمد بن سلمان؛ فرغم نجاحه في حشد اعتراف دولي أوسع بالدولة الفلسطينية، إلا أن نفوذه على الولايات المتحدة وإسرائيل محدود للغاية. فالحرب في غزة أضعفت ورقة التطبيع مع إسرائيل، بينما فشلت محاولاته في إقناع ترامب بدعم حل الدولتين أو في الحصول على ضمانات تجاه إيران. وعلى الصعيد الإقليمي، أظهرت الرياض عجزها في ملفات سوريا ولبنان وقطر، لتبقى في دور "الممول" أكثر من الفاعل، فيما نجحت دول أصغر كتركيا وقطر في فرض نفوذ أكبر. حتى الاتفاق الدفاعي الجديد مع باكستان يبدو مجرد إعلان نوايا لا يغير واقع الارتهان للمظلة الأمنية الأميركية، حيث يستمر ترامب في الاستماع لبن سلمان، لكنه يصغي فعليًا لنتنياهو.
لماذا تفشل روافع القوة السعودية أمام جدار ترامب ونتنياهو

Why the Saudi Levers of Power Are Failing Against Trump and Netanyahu's Wall​

يمكن لمحمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، أن يفخر بإنجاز دبلوماسي استثنائي: فقد اكتسبت حملته من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعزيز حل الدولتين شرعية إضافية بعدما أعلنت عشر دول، من بينها كندا وبريطانيا وأستراليا وإسبانيا وإيرلندا وفرنسا—الأخيرة كانت شريك بن سلمان منذ البداية في هذا الجهد—اعترافها.

ومع ذلك، فإن النجاح الدبلوماسي السعودي يسلّط الضوء، في الوقت نفسه، على ضعف المملكة. فعلى الرغم من العلاقات الشخصية والتجارية الوثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فشل ولي العهد في إقناعه بالانضمام إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والضغط على إسرائيل لتبنيها. وهكذا، بقيت المبادرة مجرّد إعلان نوايا، مهما بدا مثيرًا للإعجاب، لكنها لن تتحقق في أي وقت قريب، وربما أبدًا.

لقد تآكلت قيمة "ورقة ترامب" التي امتلكتها السعودية، والمتمثلة في التطبيع مع إسرائيل، بسبب الحرب في غزة. فلم يعد ترامب يراها "رافعة ضغط" بعد أن تخلت إسرائيل عنها بإصرارها على رفض التوصل إلى حل متفق عليه للمشكلة الفلسطينية، أو على الأقل إنهاء الحرب في غزة. والأسوأ أن الحرب امتدت إلى الخليج بعد الهجمات على إيران وقطر.

تعلم السعودية ودول الخليج الأخرى أن روافع قوتها التقليدية، فضلًا عن التزاماتها بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأميركي، ستكفل لها معاملة ودية من الرئيس. لكن ذلك غير كافٍ للتأثير في سياسته الخارجية. وبن سلمان، الحليف الأميركي المقرب الذي قال عنه ترامب إنه يحبه "كثيرًا"، هو الآن قائد محبط. قد يُشكّل نجاحه في تجنيد المجتمع الدولي لحملته بشأن الدولة الفلسطينية (وهو أمر لم يكن يعنيه كثيرًا قبل عامين فقط) خطوة على طريق حل الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، لكن في اللحظة الراهنة يبدو الأمر ميؤوسًا منه.

لقد قطع بن سلمان طريقًا طويلًا ومتعرجًا منذ اعتُبر شخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة ومعظم أنحاء العالم بسبب دوره المزعوم في قتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول صيف 2018. وبعد عام، تلقى ضربة أخرى من "صديقه" ترامب الذي ظل غير مبالٍ بالهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيّرة على منشآت أرامكو، والذي عطّل نحو نصف إنتاج النفط السعودي. قال ترامب حينها لولي العهد إنه مستعد لمساعدة المملكة، لكن مقابل الدفع فقط.

استنتجت السعودية والإمارات، حليفة الرياض في حرب اليمن ضد الحوثيين، أن أميركا ليست سوى شريك محدود. وبلغت العلاقات الثنائية أدنى مستوياتها في عهد الرئيس جو بايدن، الذي تعهّد بجعل المملكة "دولة منبوذة" وتجنب لقاء بن سلمان قدر المستطاع. لكن ارتفاع أسعار النفط أجبر بايدن على "الذهاب إلى كانوسا" صيف 2022، أي الطيران إلى الرياض ومصافحة ولي العهد المكروه بقبضة اليد على أمل أن يزيد إنتاج النفط.

فشل بايدن، لكن الباب فُتح مجددًا لاتصالات منتظمة بين واشنطن والديوان الملكي السعودي، وإن لم يُدعَ بن سلمان قط إلى البيت الأبيض. ومع إعادة انتخاب ترامب، تحسّنت العلاقات أكثر، لكن في تلك الأثناء كانت السعودية قد بدأت بناء علاقات أوثق مع الصين وروسيا. ففي مبادرة دراماتيكية عام 2023، جددت الرياض علاقاتها الرسمية مع إيران بوساطة صينية. وقبل عام، كان بن سلمان قد ابتعد عن التحالف الأميركي ضد الحوثيين في اليمن ووقّع اتفاق وقف إطلاق النار.

لم يقتصر ضعف السعوديين على علاقتهم بالولايات المتحدة، بل ظهر أيضًا في الشرق الأوسط، حيث تعثر قائدهم غير الناضج. فعلى عكس تركيا وقطر اللتين رعيتا ميليشيات متمردة "خاصة"، ومنها تلك التي أطاحت ببشار الأسد في ديسمبر الماضي، بقيت الرياض مجرد مراقب شبه غائب عن الأحداث.

قبل ثلاثة أشهر فقط من سقوط الأسد، أعادت الرياض فتح سفارتها في دمشق في إطار مساعيها لإعادة الرئيس السوري إلى جامعة الدول العربية. لكن السعوديين فوجئوا بالنجاح السريع للشرع في إسقاط نظام الأسد، فسارعوا للاعتراف بحكمه، ومنحه رعايتهم، ومحاولة إقناع ترامب بمصافحته—ذلك الشخص الذي كان يُنظر إليه حتى وقت قريب كإرهابي وُضعت على رأسه مكافأة قدرها 10 ملايين دولار.

قد تكون السعودية أكبر مساهم محتمل في إعادة إعمار سوريا. فإلى جانب قطر، سدّدت ديون البلاد للبنك الدولي. لكن مهمة استقرار النظام السوري الجديد أوكلت إلى تركيا وقطر والولايات المتحدة، فيما بقيت السعودية في دور "الصراف الآلي".

أما في لبنان، الذي اعتُبر لسنوات بمثابة محمية سعودية بفضل العلاقات الوثيقة بين رئيس وزرائه الراحل رفيق الحريري والعائلة المالكة، فقد فشل بن سلمان في تحريره من الهيمنة الإيرانية. فقد انتهت محاولته عام 2017 لإجبار رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري على إقصاء حزب الله من حكومته بفشل محرج. إذ اعتقل الحريري في فندق بالرياض وأُجبر على إعلان استقالته. لكن تحت ضغط فرنسي أُطلق سراحه من "احتجازه الفاخر"، وحين عاد إلى لبنان أعلن تراجعه عن الاستقالة. حزب الله احتفل بالنتيجة، وكذلك إيران.

في العام نفسه، خاض بن سلمان مغامرة أخرى حين فرض، بالتنسيق مع الإمارات والبحرين ومصر، عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على قطر. وقد دفع الحصار الذي استمر أربع سنوات الدوحة لتعزيز علاقاتها مع إيران وإنشاء محور استراتيجي مع تركيا التي حصلت على حقوق بناء قاعدة عسكرية في الدوحة، وتأسيس قيادة عسكرية مشتركة عام 2019.

جددت العلاقات بين السعودية وإيران الآمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين طهران وواشنطن. ومن منظور الرياض، التي عارضت ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فإن الاتفاق النووي ضروري للحفاظ على أمن الملاحة في الخليج. وكان بن سلمان قد حذّر عام 2018 من أن حصول إيران على قنبلة نووية سيدفع السعودية حتمًا لامتلاك مثلها. لكن في العام الماضي أجرت المملكة حوارًا دبلوماسيًا مكثفًا مع القيادة الإيرانية لإقناعها بتليين مواقفها، لكنها فشلت، كما فشلت في إقناع ترامب بتقديم ضمانات لإيران بعدم مهاجمتها.

ورغم ما تملكه السعودية من أدوات ضغط، فإن دولًا مثل عُمان وقطر والإمارات وحتى مصر هي التي "تبنتها" إيران كوسطاء. ومن مسافة آمنة، اكتفت الرياض بالمشاهدة بينما هاجمت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر في يونيو، من دون أن تحرك واشنطن ساكنًا. وفي هذا الشهر، تابعت السعودية الهجوم الإسرائيلي على منزل خليل الحية في الدوحة لاستهداف قيادة حماس. كما حصل عام 2019 حين تعرضت المملكة نفسها لهجوم الحوثيين، بقيت الولايات المتحدة متفرجة.

الأسبوع الماضي، وقّعت السعودية وباكستان اتفاق دفاع مشترك، ينص على أن أي هجوم على إحداهما سيُعتبر هجومًا على الأخرى. ورغم أن تفاصيل الاتفاق سرية، قال مسؤول سعودي رفيع لوكالة رويترز: "هذا اتفاق دفاعي شامل يشمل جميع الوسائل العسكرية". بعض المحللين اعتبروا الاتفاق ردًا على الهجوم الإسرائيلي على قطر أو ردعًا لإيران، لكن المفاوضات بشأنه بدأت قبل ذلك بوقت طويل. ويبدو أن السعودية تدرك أن طموحاتها بتطوير برنامج نووي مستقل يشمل تخصيب اليورانيوم على أراضيها ستظل حبرًا على ورق. أما التحالف الدفاعي مع الولايات المتحدة، الذي تفاوضت عليه مع بايدن مقابل التطبيع مع إسرائيل، فقد أُودع في "أحد الأدراج المنسية".

التحالف "الدفاعي" مع باكستان النووية هو في ظاهره إعلان نوايا واستعراض قوة سعودي ضد إيران والولايات المتحدة، التي لم ترد بعد. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة كيفية تطبيقه إذا تعرضت باكستان لهجوم من الهند، الشريك التجاري الأكبر للسعودية.

إن لجوء المملكة إلى مثل هذا "الإعلان العلني عن النوايا" يعكس حدود نفوذها على إدارة ترامب. فهي لا تستطيع، ولا تنوي، الانفصال عن المظلة الأمنية الأميركية. ففي مقابلة مع قناة فوكس نيوز في سبتمبر 2023، قال بن سلمان إن الرياض قد تنقل "تسليحها من أميركا إلى مكان آخر". وأضاف أن "السعودية القوية تعني أميركا قوية. أنتم لا تريدون أن يتغير ذلك".

ومنذ ذلك الحين، اشترت السعودية أسلحة أميركية بمليارات الدولارات، واستثمرت أكثر من تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي. أما "الروافع" التي يفترض أن تمنحها هذه الصفقات للمملكة، فستظل مضطرة للتكيف مع أسلوب عمل ترامب، الذي يسمع بن سلمان لكنه يُصغي لبنيامين نتنياهو.​
 
عودة
أعلى