في مقاله الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يناقش يوحنان تزوريف مستقبل حماس والمقاومة المسلحة بعد هجوم 7 أكتوبر وما تبعه من حرب في غزة، مشيرًا إلى أن مكانة الحركة وحلفائها من تيار الإسلام السياسي تراجعت بشدة في العالم العربي والإسلامي. فبينما كانت حماس تتمتع بشرعية نابعة من مقاومة الاحتلال، فإن أحداث أكتوبر وما خلفته من دمار إنساني في غزة أدت إلى تآكل التعاطف الشعبي ودفعت أنظمة عربية عديدة إلى تشديد القيود على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المرتبطة بها. ويرى تزوريف أن أصواتًا داخلية وخارجية—حتى من شخصيات إسلامية بارزة—تدعو حماس إلى مراجعة ذاتها، التخلي عن الكفاح المسلح، والبحث عن أشكال مقاومة غير عنيفة، والتقارب مع الأنظمة والدولة. كما يشير إلى أن السلطة الفلسطينية ودول عربية وأطراف دولية ترى أن الوقت قد حان لإقصاء حماس من المشهد السياسي الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الداخلي، بينما تواجه الحركة تحديًا وجوديًا يتعلق بشرعيتها واستمرارها كقوة مقاومة مسلحة.

صورة تُظهر وحشية اسرائيل في تدمير غزة وتهجير سُكانها في اسوا الظروف الانسانية بحجة المقاومة المسلحة
أحمد يوسف، أحد قيادات حماس والمستشار السابق لإسماعيل هنية، نشر مؤخرًا سلسلة مقالات دعا فيها جماعة الإخوان المسلمين إلى القيام بمراجعة عميقة للذات، معتبرًا أنه بعد نحو مئة عام على تأسيسها، باتت إخفاقات الحركة تفوق نجاحاتها. وبما أن الأنظمة العربية تنظر إلى حماس باعتبارها جزءًا من الإخوان، فإنها ترى مبررًا في تجاهل "الدمار الشامل" الحاصل في غزة، بل وحتى في التآمر ضد حركات المقاومة الإسلامية أينما وُجدت، واعتبارها خصمًا معلنًا. ويقترح يوسف أن تعود حماس والإخوان للنظر إلى الوراء واعتماد مسارات جديدة، من خلال إدراك أفضل لحدود القوة والواقع، وتغيير الرسالة التي يوجّهونها للجمهور. ويقترح التخلي عن جميع أشكال العنف، والتركيز بدلًا من ذلك على الاحتجاج السلمي، و"التنصل الصريح من العنف المسلح في الداخل وفي كل الساحات الأخرى حيث تُستخدم الأسلحة باسم الإسلام"، حتى لا يُوصم الإسلام بأنه دين إرهاب ولتفادي التدخلات الأجنبية. كما يقترح يوسف تعزيز العلاقات مع الأنظمة العربية، وتجنّب أي تصعيد معها، وتشكيل شراكات وقائية مع الدولة.
مفكرون مسلمون، استشهد يوسف ببعضهم، يشددون على رسائل مشابهة. من بينهم سعد الدين العثماني، رئيس الوزراء المغربي السابق عن الحزب الإسلامي، الذي يرى أن أي إصلاح يجب أن يتم بالشراكة مع الدولة لا في مواجهتها. وأحمد الريسوني، أيضًا من المغرب والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يرى أن أي فتوى لا تراعي الواقع تُصبح باطلة. أما محمد سليم العوا، الأكاديمي المصري والعالم المعروف الذي ترأس أيضًا الاتحاد ذاته، فيؤكد أن المجتمعات لا تُقاد من على منبر المسجد وإنما عبر الانخراط الدائم في الميدان. وفي الأردن، حيث برزت مظاهر تعاطف علني مع حماس عقب هجوم السابع من أكتوبر، يرى مفكرون إسلاميون أن التعاون مع النظام يعزز الرسالة الإسلامية ولا يضعفها.
يمكن النظر إلى هذا الاتجاه الفكري أيضًا كاستجابة لحقيقة أن الدول العربية، بعيد السابع من أكتوبر، بدأت باتخاذ إجراءات تهدف إلى تقييد أنشطة الحركات والجمعيات الإسلامية.
والنتيجة هي أن الشرعية التي كانت تتمتع بها حماس ذات يوم، بسبب مقاومتها لـ "الاحتلال" الإسرائيلي والتي كانت تشاركها فيها حركات إسلامية أخرى، قد تضاءلت بشكل كبير منذ مجزرة السابع من أكتوبر. فقد تجاوزت الحدود التي كان يُنظر فيها إلى الفعل باعتباره مقاومة مشروعة، وأصبحت تُرى اليوم على أنها تخدم أجندة أجنبية في العالم العربي. حتى التعاطف الشعبي الذي حظيت به حماس في الأيام والأسابيع التي تلت المجزرة بدأ يتلاشى، بالنظر إلى العواقب المدمرة للحرب، والتي لم تُخفف من مواقف الدول المختلفة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
في هذه المرحلة من معالجة النتائج، يتركز الخطاب العام بشكل كبير على مستقبل الحركات والجمعيات الإسلامية، وسط إدانات قاسية لحماس من الداخل، وكذلك من هيئات غير إسلامية أكثر قربًا من مؤسسات الدولة، مثل السلطة الفلسطينية في السياق الفلسطيني. ويرى المنتقدون أن الإخوان مسؤولون بشكل مباشر عن النكسة الجديدة التي حلت بغزة والقضية الفلسطينية بسبب دعمهم الطويل الأمد لحماس. وكان الاعتقاد أن هجوم السابع من أكتوبر سيساعد فصائل الإخوان على استعادة نفوذها المتآكل، لكنه جاء بنتائج عكسية. علاوة على ذلك، فإن رفض حماس الإفراج عن الرهائن منذ السابع من أكتوبر وإصرارها خلال المفاوضات على ضمان بقائها كحركة مقاومة، على حساب المعاناة الهائلة لسكان غزة، يُعتبر، وفقًا للمنتقدين، دليلًا على الانتهازية و"النفاق" الذي يميز حماس ونظيراتها من الحركات الإسلامية.
غير أن هذا الغضب يتضاءل مقارنة بحال الساحة الفلسطينية نفسها، وما تعانيه من معاناة وخسائر ومخاوف منذ أن أطلقت حماس الحرب. فالسلطة الفلسطينية ترى أنها حرب حماس لا حرب الفلسطينيين، وترفض مساعدتها، بل وتتمنى زوالها ككيان عسكري. وقد أصدر رئيس السلطة أبو مازن قرارًا في قمة الجامعة العربية في بغداد في مايو 2025 يدعو حماس إلى تسليم الرهائن لإسرائيل، ونزع سلاحها، وتسليم السيطرة على قطاع غزة للسلطة الفلسطينية. مواقف مشابهة تسعى لإقصاء حماس عن الحكم يعبر عنها معلّقون عرب بارزون مختصون في شؤون العلاقات العربية–الإسرائيلية. فوجهة نظرهم أن على الفلسطينيين الآن التركيز على الحفاظ على ما تبقى، وترسيخ الشعب الفلسطيني في أرضه، وتذكّر أنه في النهاية سيتعين عليهم التعايش مع إسرائيل ("ليس كل الإسرائيليين بنيامين نتنياهو"، كما يشيرون). ويجادل المنتقدون أيضًا بأن هناك حاجة إلى كيان فلسطيني يستمد سلطته من منظمة التحرير الفلسطينية، ويدفع بحماس خارج الإطار، ويعيد بناء البيت الفلسطيني، ويضع الأساس لدولة.
كما يتسم كلام أنصار حماس والمتعاطفين معها بقدر كبير من القلق، إذ تابعوا التطورات في غزة والمنطقة واستخلصوا استنتاجات بعيدة المدى. في هذا السياق، يرى خالد الحروب، الباحث البارز في شؤون حماس والحركات الإسلامية، وهو فلسطيني الأصل قريب من قادة حماس ويحظى باحترامهم، أن المقاومة المسلحة يجب أن تتغير ولا يمكن أن تستمر على ما كانت عليه بعد أحداث السابع من أكتوبر. ويؤكد أن "الاستعمار الاستيطاني" (وليس الصهيوني كما يصرّ) يختلف عن الاستعمار البريطاني والفرنسي، فهو لا يرحل؛ بل يبقى، ويدّعي الأرض ملكًا له، ويطالب بإزالة السكان المحليين. إنه استعمار بعينين على كل الأرض بين البحر والنهر. ولسوء الحظ، يقول الحروب، إن إسرائيل تحظى بـ "ضوء أخضر" من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ما يتيح لها فعل ما تشاء. لذلك، يجب على الفلسطينيين أن يختاروا بين اليأس وتطوير أساليب جديدة للمقاومة تحول دون تفكك الشعب الفلسطيني. ويذكر الحروب، كمثال، نضال غاندي ضد البريطانيين. ويعتقد أن الاختبار النهائي لتماسك الفلسطينيين سيأتي بعد الحرب، عند إعادة فتح الحدود والمطارات، ويتوقع أن يغادر كثيرون القطاع لأنه لم يعد صالحًا للعيش. وبالتالي، يجب تطوير آلية تُبقي السكان في أماكنهم.
وقد يشير هذا التمييز بين الوجود الإسرائيلي والاستعمار الذي مارسته القوى السابقة إلى قبول متزايد بأن إسرائيل ليست واقعًا مؤقتًا لدى أولئك الذين كانوا ينكرون وجودها سابقًا. وهذا يتماشى مع تحذيرات الحروب المتكررة من الجهود الإسرائيلية لتفتيت الشعب الفلسطيني إلى عشائر وفئات فرعية.
إن الواقع الذي تخوض فيه إسرائيل صراعًا منذ سنوات مع أطراف معادية في الشرق الأوسط ترفض وجودها هو بمثابة مختبر تحدث فيه تحولات في مواقف هذه الأطراف. وقد عبّرت الدول العربية عن مثل هذه التحولات منذ أواخر السبعينيات، عندما بدأت بالتخلي عن الطموح في إزالة إسرائيل من المنطقة ووقّعت اتفاقيات سلام معها. وكان من أبرز محطات هذه العملية تبنّي منظمة التحرير الفلسطينية مبدأ التسوية الإقليمية وحل الدولتين في أواخر الثمانينيات. وفي أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، أعربت الجامعة العربية عن استعدادها للاعتراف بإسرائيل والتعايش معها مقابل حل متفق عليه للقضية الفلسطينية. ومع اتضاح أن الاحتكاك مع إسرائيل ومقاومتها لا يزعزع استقرارها بل يقويها ويزيد نفوذها، يُضطر خصومها إلى إعادة تقييم مواقفهم. والآن، تدعو أصوات مؤثرة عديدة في العالم العربي، بما في ذلك المقربون من حماس، الحركةَ وميليشياتها ذات التوجه الأيديولوجي إلى إلقاء السلاح ووقف المقاومة المسلحة.
ويمكن لإسرائيل أن تسهم كثيرًا في هذا المسار إذا اختارت أن ترى شريكًا في العملية السياسية أولئك الذين يعترفون بوجودها، وتخلّوا عن النضال المسلح، ويدعمون المفاوضات، ومستعدون للعيش إلى جانبها. والمقصود هنا السلطة الفلسطينية، التي يُنظر إليها في العالم العربي والمجتمع الدولي باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. غير أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض الاعتراف بذلك، رغم أن حكومات سابقة كانت قد اعترفت بالسلطة من حيث المبدأ كشريك في الجهود الرامية إلى دفع عملية التسوية قدمًا.

صورة تُظهر وحشية اسرائيل في تدمير غزة وتهجير سُكانها في اسوا الظروف الانسانية بحجة المقاومة المسلحة
Hamas and the Armed Resistance After October 7—Where To?
بينما تستمر الحرب في غزة، ومع تصاعد المخاوف بشأن مصير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، يتطور نقاش فلسطيني وعربي واسع حول نتائج ودلالات الحرب التي أطلقتها حماس في السابع من أكتوبر. وإلى جانب الاعتراف المتزايد بقوة إسرائيل والقلق المتنامي من الهيمنة الإسرائيلية–الأميركية في المنطقة، يبرز سؤال بارز حول مستقبل المقاومة المسلحة، أو بعبارة المحللين: مستقبل الميليشيات (النص يعبر عن رأي الكاتب وهو صهيوني أصلًا)، بالنظر إلى الضربة القاسية التي تلقّاها "محور المقاومة" الذي تقوده إيران والخيارات الجديدة التي تتشكل في الشرق الأوسط. فمصير حركات مثل حزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والتنظيمات التابعة للإخوان المسلمين، وكذلك الميليشيات الشيعية في العراق والتنظيمات الكردية السرّية، يخضع للفحص ليس فقط من الناحية التنظيمية، بل أيضًا من الناحية الفكرية والبراغماتية. ما جدوى استمرار المقاومة المسلحة إذا كانت لا تجلب سوى الضرر ولا تحقق الغاية التي تأسست من أجلها؟أحمد يوسف، أحد قيادات حماس والمستشار السابق لإسماعيل هنية، نشر مؤخرًا سلسلة مقالات دعا فيها جماعة الإخوان المسلمين إلى القيام بمراجعة عميقة للذات، معتبرًا أنه بعد نحو مئة عام على تأسيسها، باتت إخفاقات الحركة تفوق نجاحاتها. وبما أن الأنظمة العربية تنظر إلى حماس باعتبارها جزءًا من الإخوان، فإنها ترى مبررًا في تجاهل "الدمار الشامل" الحاصل في غزة، بل وحتى في التآمر ضد حركات المقاومة الإسلامية أينما وُجدت، واعتبارها خصمًا معلنًا. ويقترح يوسف أن تعود حماس والإخوان للنظر إلى الوراء واعتماد مسارات جديدة، من خلال إدراك أفضل لحدود القوة والواقع، وتغيير الرسالة التي يوجّهونها للجمهور. ويقترح التخلي عن جميع أشكال العنف، والتركيز بدلًا من ذلك على الاحتجاج السلمي، و"التنصل الصريح من العنف المسلح في الداخل وفي كل الساحات الأخرى حيث تُستخدم الأسلحة باسم الإسلام"، حتى لا يُوصم الإسلام بأنه دين إرهاب ولتفادي التدخلات الأجنبية. كما يقترح يوسف تعزيز العلاقات مع الأنظمة العربية، وتجنّب أي تصعيد معها، وتشكيل شراكات وقائية مع الدولة.
مفكرون مسلمون، استشهد يوسف ببعضهم، يشددون على رسائل مشابهة. من بينهم سعد الدين العثماني، رئيس الوزراء المغربي السابق عن الحزب الإسلامي، الذي يرى أن أي إصلاح يجب أن يتم بالشراكة مع الدولة لا في مواجهتها. وأحمد الريسوني، أيضًا من المغرب والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يرى أن أي فتوى لا تراعي الواقع تُصبح باطلة. أما محمد سليم العوا، الأكاديمي المصري والعالم المعروف الذي ترأس أيضًا الاتحاد ذاته، فيؤكد أن المجتمعات لا تُقاد من على منبر المسجد وإنما عبر الانخراط الدائم في الميدان. وفي الأردن، حيث برزت مظاهر تعاطف علني مع حماس عقب هجوم السابع من أكتوبر، يرى مفكرون إسلاميون أن التعاون مع النظام يعزز الرسالة الإسلامية ولا يضعفها.
يمكن النظر إلى هذا الاتجاه الفكري أيضًا كاستجابة لحقيقة أن الدول العربية، بعيد السابع من أكتوبر، بدأت باتخاذ إجراءات تهدف إلى تقييد أنشطة الحركات والجمعيات الإسلامية.
- في مصر، حيث يشهد الإخوان المسلمون تراجعًا منذ الإطاحة بالرئيس مرسي عام 2013، اتخذت السلطات عدة إجراءات ضد مؤسسات الحركة ونشطائها، شملت تجفيف مصادر تمويلهم وتغلغلًا استخباراتيًا عميقًا.
- في الأردن، حُظرت جماعة الإخوان المسلمين في أبريل 2025، كما مُنع أي نشاط للجمعيات والهيئات المرتبطة بها.
- في تونس، ازدادت مراقبة الإخوان منذ عام 2021 وبلغت مؤخرًا مستويات غير مسبوقة. وقد حُكم على راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة المرتبطة بالإخوان، بالسجن 14 عامًا بتهمة الإضرار بأمن الدولة، إلى جانب مسؤولين كبار آخرين في الحركة.
- في المغرب، يشهد حزب العدالة والتنمية الإسلامي تراجعًا منذ عام 2016، وقد عانى من فقدان شعبيته.
- في سوريا، رفض الرئيس الجديد أحمد الشرع—الذي كان عضوًا سابقًا في تنظيم القاعدة ويواجه حالة من عدم الاستقرار الشديد—طلب جماعة الإخوان المسلمين بإعادة فتح مكاتبها في البلاد.
- في لبنان، أصبح موضوع نزع سلاح حزب الله موضوعًا للنقاش العام والرسمي عقب الضربة القاسية التي تلقاها والدعوات الواسعة لمنع الجهات غير الحكومية من امتلاك السلاح.
والنتيجة هي أن الشرعية التي كانت تتمتع بها حماس ذات يوم، بسبب مقاومتها لـ "الاحتلال" الإسرائيلي والتي كانت تشاركها فيها حركات إسلامية أخرى، قد تضاءلت بشكل كبير منذ مجزرة السابع من أكتوبر. فقد تجاوزت الحدود التي كان يُنظر فيها إلى الفعل باعتباره مقاومة مشروعة، وأصبحت تُرى اليوم على أنها تخدم أجندة أجنبية في العالم العربي. حتى التعاطف الشعبي الذي حظيت به حماس في الأيام والأسابيع التي تلت المجزرة بدأ يتلاشى، بالنظر إلى العواقب المدمرة للحرب، والتي لم تُخفف من مواقف الدول المختلفة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
في هذه المرحلة من معالجة النتائج، يتركز الخطاب العام بشكل كبير على مستقبل الحركات والجمعيات الإسلامية، وسط إدانات قاسية لحماس من الداخل، وكذلك من هيئات غير إسلامية أكثر قربًا من مؤسسات الدولة، مثل السلطة الفلسطينية في السياق الفلسطيني. ويرى المنتقدون أن الإخوان مسؤولون بشكل مباشر عن النكسة الجديدة التي حلت بغزة والقضية الفلسطينية بسبب دعمهم الطويل الأمد لحماس. وكان الاعتقاد أن هجوم السابع من أكتوبر سيساعد فصائل الإخوان على استعادة نفوذها المتآكل، لكنه جاء بنتائج عكسية. علاوة على ذلك، فإن رفض حماس الإفراج عن الرهائن منذ السابع من أكتوبر وإصرارها خلال المفاوضات على ضمان بقائها كحركة مقاومة، على حساب المعاناة الهائلة لسكان غزة، يُعتبر، وفقًا للمنتقدين، دليلًا على الانتهازية و"النفاق" الذي يميز حماس ونظيراتها من الحركات الإسلامية.
غير أن هذا الغضب يتضاءل مقارنة بحال الساحة الفلسطينية نفسها، وما تعانيه من معاناة وخسائر ومخاوف منذ أن أطلقت حماس الحرب. فالسلطة الفلسطينية ترى أنها حرب حماس لا حرب الفلسطينيين، وترفض مساعدتها، بل وتتمنى زوالها ككيان عسكري. وقد أصدر رئيس السلطة أبو مازن قرارًا في قمة الجامعة العربية في بغداد في مايو 2025 يدعو حماس إلى تسليم الرهائن لإسرائيل، ونزع سلاحها، وتسليم السيطرة على قطاع غزة للسلطة الفلسطينية. مواقف مشابهة تسعى لإقصاء حماس عن الحكم يعبر عنها معلّقون عرب بارزون مختصون في شؤون العلاقات العربية–الإسرائيلية. فوجهة نظرهم أن على الفلسطينيين الآن التركيز على الحفاظ على ما تبقى، وترسيخ الشعب الفلسطيني في أرضه، وتذكّر أنه في النهاية سيتعين عليهم التعايش مع إسرائيل ("ليس كل الإسرائيليين بنيامين نتنياهو"، كما يشيرون). ويجادل المنتقدون أيضًا بأن هناك حاجة إلى كيان فلسطيني يستمد سلطته من منظمة التحرير الفلسطينية، ويدفع بحماس خارج الإطار، ويعيد بناء البيت الفلسطيني، ويضع الأساس لدولة.
كما يتسم كلام أنصار حماس والمتعاطفين معها بقدر كبير من القلق، إذ تابعوا التطورات في غزة والمنطقة واستخلصوا استنتاجات بعيدة المدى. في هذا السياق، يرى خالد الحروب، الباحث البارز في شؤون حماس والحركات الإسلامية، وهو فلسطيني الأصل قريب من قادة حماس ويحظى باحترامهم، أن المقاومة المسلحة يجب أن تتغير ولا يمكن أن تستمر على ما كانت عليه بعد أحداث السابع من أكتوبر. ويؤكد أن "الاستعمار الاستيطاني" (وليس الصهيوني كما يصرّ) يختلف عن الاستعمار البريطاني والفرنسي، فهو لا يرحل؛ بل يبقى، ويدّعي الأرض ملكًا له، ويطالب بإزالة السكان المحليين. إنه استعمار بعينين على كل الأرض بين البحر والنهر. ولسوء الحظ، يقول الحروب، إن إسرائيل تحظى بـ "ضوء أخضر" من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ما يتيح لها فعل ما تشاء. لذلك، يجب على الفلسطينيين أن يختاروا بين اليأس وتطوير أساليب جديدة للمقاومة تحول دون تفكك الشعب الفلسطيني. ويذكر الحروب، كمثال، نضال غاندي ضد البريطانيين. ويعتقد أن الاختبار النهائي لتماسك الفلسطينيين سيأتي بعد الحرب، عند إعادة فتح الحدود والمطارات، ويتوقع أن يغادر كثيرون القطاع لأنه لم يعد صالحًا للعيش. وبالتالي، يجب تطوير آلية تُبقي السكان في أماكنهم.
وقد يشير هذا التمييز بين الوجود الإسرائيلي والاستعمار الذي مارسته القوى السابقة إلى قبول متزايد بأن إسرائيل ليست واقعًا مؤقتًا لدى أولئك الذين كانوا ينكرون وجودها سابقًا. وهذا يتماشى مع تحذيرات الحروب المتكررة من الجهود الإسرائيلية لتفتيت الشعب الفلسطيني إلى عشائر وفئات فرعية.
إن الواقع الذي تخوض فيه إسرائيل صراعًا منذ سنوات مع أطراف معادية في الشرق الأوسط ترفض وجودها هو بمثابة مختبر تحدث فيه تحولات في مواقف هذه الأطراف. وقد عبّرت الدول العربية عن مثل هذه التحولات منذ أواخر السبعينيات، عندما بدأت بالتخلي عن الطموح في إزالة إسرائيل من المنطقة ووقّعت اتفاقيات سلام معها. وكان من أبرز محطات هذه العملية تبنّي منظمة التحرير الفلسطينية مبدأ التسوية الإقليمية وحل الدولتين في أواخر الثمانينيات. وفي أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، أعربت الجامعة العربية عن استعدادها للاعتراف بإسرائيل والتعايش معها مقابل حل متفق عليه للقضية الفلسطينية. ومع اتضاح أن الاحتكاك مع إسرائيل ومقاومتها لا يزعزع استقرارها بل يقويها ويزيد نفوذها، يُضطر خصومها إلى إعادة تقييم مواقفهم. والآن، تدعو أصوات مؤثرة عديدة في العالم العربي، بما في ذلك المقربون من حماس، الحركةَ وميليشياتها ذات التوجه الأيديولوجي إلى إلقاء السلاح ووقف المقاومة المسلحة.
ويمكن لإسرائيل أن تسهم كثيرًا في هذا المسار إذا اختارت أن ترى شريكًا في العملية السياسية أولئك الذين يعترفون بوجودها، وتخلّوا عن النضال المسلح، ويدعمون المفاوضات، ومستعدون للعيش إلى جانبها. والمقصود هنا السلطة الفلسطينية، التي يُنظر إليها في العالم العربي والمجتمع الدولي باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. غير أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض الاعتراف بذلك، رغم أن حكومات سابقة كانت قد اعترفت بالسلطة من حيث المبدأ كشريك في الجهود الرامية إلى دفع عملية التسوية قدمًا.